ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... وسدَّ عليك وجوه الطلب ٣) أن يعرف ما في القناعة عز الاستغناء وما في الحرص والطمع من الذل، فإذا تحقق عنده ذلك انبعثت رغبته إلى القناعة؛ لأنه في الحرص لا يخلو من تعب، وفي الطمع لا يخلو من ذل، وليس في القناعة إلا ألم الصبر عن الشهوات والفضول، وهذا ألم لا يطلع عليه أحد إلا الله، وفيه ثواب الآخرة. وذلك مما يضاف إليه نظر الناس وفيه الوبال والمأثم، ثم يفوته عز النفس والقدرة على متابعة الحق، فإن من أكثر طمعه وحرصه كثرت حاجته إلى الناس، فلا يمكنه دعوتهم إلى الحق ويلزمه المداهنة, وذلك يهلك دينه, ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل، ناقص الإيمان. ٤) أن يكثر تأمله في تنعم اليهود والنصارى وأراذل الناس، ومن لا دين لهم ولا عقل، ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء، وإلى سمت الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة والتابعين، ويستمع أحاديثهم، ويطالع أحوالهم، ويخير عقله بين أن يكون على مشابهة أراذل الناس أو على الاقتداء بمن هو أعز أصناف الخلق عند الله، حتى يهون عليه بذلك الصبر على الضنك، والقناعة باليسير. ٥) أن يفهم ما في جمع المال من الخطر، وما فيه من خوف السرقة والنهب والضياع، وما في خلو اليد من الأمن والفراغ، ويتأمل آفات المال مع ما يفوته من المدافعة عن باب الجنة إلى خمسمائة عام، فإنه إذا لم يقنع بما يكفيه ألحق بزمرة الأغنياء، وأخرج من جريرة الفقراء، ويتم ذلك بأن ينظر أبداً إلى من دونه في الدنيا، لا إلى من فوقه، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم". [البخاري رقم (٦٤٩٠) بنحوه، ومسلم رقم (٩/ ٢٩٦٣) والترمذي رقم (٢٥١٣) وابن ماجه رقم (٤١٤٢)].