للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "ما قد علمت" صفة أو بدل من القدم، وهذا الحديث ونحوه يدل على أن الصحابة في بيعة أبي بكر وبيعة الشورى جازمون بأنه - صلى الله عليه وسلم - ما نص على أحد باستحقاقه الخلافة، وأن أبا بكر لم يعد تقديمه - صلى الله عليه وسلم - وتخصيصه له بالإمامة للصلاة بالناس أيام مرضه - صلى الله عليه وسلم - دليلاً على استحقاقه ذلك ولا ادّعاه ولا استدل به ولا بغيره يوم السقيفة كما سلف.

وكذلك أمير المؤمنين علي - عليه السلام - في خوضه (١) مع أبي بكر حين اجتمعا وتعاتبا لم يستدل بأنه كان أولى بالخلافة ولا في يوم الشورى لم يذكر حديث الغدير ولا الأخوة، ولا أنه من النبي - صلى الله عليه وسلم - كهارون من موسى ونحو ذلك من فضائله، وفي هذا دلالة على أنّ من ذكر من الصحابة والقرابة كان الأمر عندهم يسير وأنه ليس القصد إلا إقامة شعار الإِسلام وجهاد الكفرة عبّاد الأصنام، وأن من قام به فقد كفى المؤنة وكانوا له أعواناً، ولكن الناس من بعد ذلك أبوا إلا تفريق الأمة والاشتغال بما سلف وادّعاء العصبية على خلافة من يرونه أعظم عندهم وإطالة الجدال واللجاج، والاستدلال والاحتجاج في أمر قد سلف ومضى ونفذ فيه ما أراده الله وقضى.

فالعجب ممن أتى من الفرق الإِسلامية من بعد أولئك السلف الصالح يدعون لهم دعاوي [٣٧٦ ب] لم يدّعوها فهي دعوى لغير مدع، حقها الإعراض عنها، ثم تستدل كل طائفة لدعواها ثم يفتحون أبواباً للجدال، ويجرون [عاراً] (٢) للقيل والقال ثم يؤول الكلام إلى تضليل كل طائفة للأخرى، وما كان أحقهم بتولي الجميع، والإعراض عن كل شنيع، والإشتغال بما هو الأنفع في المآل، فإنه لا يسأل الملكان من نزل [في] (٣) قبره إلا عن ربه من هو؟ وعن رسوله محمَّد - صلى الله عليه وسلم -.


(١) تقدم ذكره.
(٢) في (ب) بحاراً.
(٣) زيادة من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>