للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرجه أحمد والطبراني من حديث ابن عمر (١) عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "طوبى للغرباء" قلنا: ومن الغرباء؟ قال: "ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم".

فقوله: "غريباً" يفسره حديث عياض بن حمار الذي أخرجه مسلم (٢) وفيه: إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فلما بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا إلى الإسلام لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة، وكان المستجيب له خائفاً من عشيرته وقبيلته يؤذى غاية الأذى ويُنال منه، وهو صابر على ذلك، وشردوا كل مشرد إلى الحبشة وغيرها، ثم ظهر الإسلام بعد الهجرة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ثم لم يزل بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ووفاة خلفائه الراشدين يظهر الابتداع والفتن والتحاسد على الدنيا، وسفك الدماء عليها، والمذاهب الباطلة، وتحزب الناس، وصار الدين في غربة أشد من الغربة الأولى، ورفعت سنن الهدى واتسع نطاق الابتداع وفاض. بحر مضلات الأهويه واتبع كلٌ هواه وكفَّرت كل طائفة الأخرى، وحصروا الدين على مذاهب ابتدعوها، وفرقوا الصلوات في حرم الله وشغلوا المسجد بعمارات سموها بالمقامات معارضة لله بتسمية مقام إبراهيم لموضع قدمي خليله، والخطب عظيم، والأقلام لا تبلغ نطقها بمثقال ذلك من ذلك الأمر الجسيم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومما قلته (٣) في ذلك تشكياً إلى الله:

بدأ الدين غريباً مثلما ... قاله خير الأنام الكرما [٨٨/ ب]

ولقد عاد كما قال لنا ... وهو الصادق حقاً كَلِما


(١) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/ ٢٧٨) هو في الصحيح. قلت: "صحيح مسلم" رقم (١٤٦) غير قوله: "فطوبى للغرباء" رواه البزار، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس. اهـ.
(٢) في "صحيحه" رقم (٦٣/ ٢٨٦٥).
(٣) في "ديوانه" (ص ٣٦٣ - ٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>