للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولا يخفى أنه أخرج الأرض في الحد الأول عن الدنيا وهي منها قطعاً. [١١٦ ب].

فالقول الثاني أقرب إلى الصواب, فالحق عندي: أن المراد من الدنيا كل ما خلق للفناء، ولذا سميت دار الفناء، والأخرى: ما كان للبقاء، ولذا يقول الله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)} (١).


= دنيا لدنوها بالنسبة إلى الحياة الكائنة في الآخرة, ولهذه وصفها الله سبحانه بالحياة الدنيا أي القريبة, وهكذا الأزمان والأكون الكائنة في هذه الدار، فإنها دنيا لأنها دنت بالنسبة إلى الأكوان والأزمان الكائنة في الآخرة.
إذا عرفت هذا فقد تطلق هذه الصفة - أعني الدنيا - على جميع هذه الأشياء، وذلك إذا قوبلت بالآخرة ... وقد تطلق هذه الصفة على بعض هذه المذكورات كالحياة الدنيا، وقد يضاف بعض هذه المذكورات إلى الدنيا كمتاع الدنيا من باب إضافة الشيء إلى أصله، أو إلى جنسه كخاتم حديد، ومن ذلك: "الدنيا ملعونة, ملعون ما فيها" فإن أطلقها على بعض ما تطلق عليه، وجعل البعض الآخر كالمغاير لها من جهة كونه مظروفاً لها، والظرف غير المظروف مع أنه يصدق على الأشياء المظروفة أنها دنيا.
فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حب الدنيا رأس كل خطيئة" حديث موضوع وقد تقدم، أن حب هذه الأشياء التي هي دانية إلينا رأس كل خطيئة، إذ لا يوجد ذنب من الذنوب, ولا خطيئة من الخطايا إلا وهي راجعة إلى حب هذه الأشياء، فإن جملة الدنيا الشهوات الجسمية والنفسية، فإنها بالنسبة إلى شهوات الآخرة دنيا، فكل مستلذٍّ للحواس والأعضاء فهو دنيا لقربه منا، وبعد مستلذات الحواس والأعضاء الكائنة في الآخرة عنا.
ومن جملة الدنيا الأفعال والأقوال الكائنة في هذه الدار، فإنها بالنسبة إلى الأفعال والأقوال الكائنة في الآخرة دنيا، وليس من حق الدنيا أن تكون جميعها شراً محضاً، بل فيها ما هو خير كالأفعال والأقوال التي هي طاعات وعبادات.
(١) سورة الرحمن: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>