للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "مستخلفكم فيها" أقول: هو مأخوذ [١٢٠ ب] من قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)} (١)، ومن قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} (٢) الآية، أي: يجعلكم خلف عن سلف، ويمكن لكم فيها فناظر كيف تعملون فيما استخلفكم فيه، وهو عالم بما تعملون، لكنه أراد إبراز علمه اليقين إلى عين اليقين، [و] (٣) هو تحذير من الاغترار بالدنيا. وقد امتن الله على عباده في عدة آيات بأنه جعلهم خلائف الأرض، وخلائف في الأرض، كما قالت الرسل لأممهم: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (٤) كما قاله هود لقومه، وكما قاله صالح لقومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} (٥) الآية. وفي هذه الأخبار منه تعالى ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم - تزهيد، وأنها كانت تحت يد أقوام فارقوها كذلك أنتم مفارقون لها, ولذا قيل:

إذا أنت لا تدري متى أنت ميت ... وقبرك لا تدري بأي مكان

فحسبك قول الناس فيما ملكته ... لقد كان هذا مرة لفلان

وهو نظير قوله: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (٦).


(١) سورة الأعراف: ١٢٩.
(٢) سورة النور: ٥٥.
(٣) زيادة من (ب).
(٤) سورة الأعراف: ٦٩.
(٥) سورة الأعراف: ٧٤.
(٦) سورة الحديد: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>