للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنه ورد علينا (١) سؤال في لعن الدنيا، وأجيب بما حاصله: أنه معلوم أن الله تعالى قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} (٢) الآية، وأن الذي زينها هو الله تعالى، أي: جعل الطباع البشرية مائلة إلى ما زينه. ودليل أنه الذي زينها قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} (٣) أي: ما زينه، وثبت حديث: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب" (٤)، ومعلوم يقيناً أن الله لا يزين ولا يحبب إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ملعوناً قطعاً. وإذا عرفت هذا فلا بدَّ من النظر فيما هو ملعون منها.

فالتحقيق: أنها تجري الأحكام الخمسة فيما خلقه الله من متاع الدنيا ونبينه في اللباس فإن ستر العورة واجب، والتجمل بالثياب لما شرع له التجمل سنة, ولبسه لا بنية التجمل مباح، ولبسه زيادة على الحاجة مكروه، ولبسه كبراً وفخراً محرم. ومعلوم أن غير المحرم غير ملعون فاعله، ولا الثوب الذي لبسه لأحدها؛ فتعين أن الملعون من متاعها هو المحرم، وقد لعن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من متاع الدنيا ما حرم كالخمر، وعاصرها، ومعتصرها، ونحوهما، والربا، وكاتبه، وشاهديه, وقال: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨)} (٥) لأنهم فاعلوا


(١) يشير إلى الرسالة رقم (٦٣) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي، ط: ابن كثير دمشق.
وهي بعنوان: تفسير لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها ... ".
(٢) سورة آل عمران: ١٤.
(٣) سورة الأعراف: ٣٢.
(٤) تقدم نصه وتخريجه، وهو حديث حسن.
(٥) سورة هود: ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>