للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "في حديث أبي هريرة: كتب" أقول: قال الخطابي (١): المراد بالكتاب؛ إما القضاء الذي قضاه، كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} (٢) أي: قضى ذلك، ويكون معنى قوله: "فوق العرش" أي: عنده علم ذلك، فهو لا ينساه ولا يبدله، كقوله: {فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٥٢)} (٣). وإما في اللوح المحفوظ الذي فيه [١٣٢ ب] أصناف الخلق، وبيان أمورهم، وآجالهم، وأرزاقهم، وأحوالهم، ويكون معنى: "فهو عنده فوق العرش" (٤) أي: ذكره وعلمه، فكل ذلك جارٍ على أن العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة. انتهى.

قلت: والعندية؛ من جملة ما يجب الإيمان به ويوكل إلى الله كسائر صفاته. والمراد من هذه الصفة عنايته تعالى بالكتاب؛ وهي عناية بما فيه من صفة سبق رحمته غضبه, والمراد من سبقها الغضب أنهن باعتبار التعليق، أي: تعلق الرحمة سابق غالب على تعلق الغصب؛ لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة. والغضب (٥) يتوقف على سابقة عمل من العبد.


(١) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٣/ ٤١٣).
(٢) سورة المجادلة: ٢١.
(٣) سورة طه: ٥٢.
(٤) واعلم أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله فوق جميع مخلوقاته، مستو على عرشه في سمائه، عالياً على خلقه، بائناً منهم، يعلم أعمالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم وسكناتهم، لا تخفى عليه خافية. وقد تقدم تفصيله وأدلته.
انظر: "العلو" للذهبي، و"إثبات صفة العلو" لابن قدامة.
(٥) الغضب صفة فعلية خبرية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
منها: قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: ٨١].
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: ١٣]. =

<<  <  ج: ص:  >  >>