للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتبتل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريم النساء والطيب، وكل ما يلتذ به، فلهذا أنزل في حقه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (١).

فإن قلت: كيف يرده - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (٨)} (٢)؟ قلت: هذا التبتل المأمور فسره مجاهد، فقال: "أخلص له إخلاصاً" وهو تفسير بالمعنى، وإلا فالتبتل الانقطاع، والمراد انقطع إليه انقطاعاً، ولكن لما كان حقيقة الانقطاع، لا تتم إلا بالإخلاص فسره به.

قوله: "فإن لأهلك عليك حقاً": علل - صلى الله عليه وسلم - أمره لعثمان بما ذكر بأن هذا الاجتهاد في العبادة تضيع به حقوقاً لأهله ولضيفه، ولنفسه، وتضييعها حرام، ولذا قال له: "اتق الله" فالمراد أمره بتقواه في عدم تضييع الحقوق بفعل ما نواه.

قوله: "زاد رزين، وكان حلف.

أقول: أخرجها عبد الرزاق (٣) والطبراني (٤) عن عائشة قالت: دخلت امرأة عثمان بن مظعون واسمها: خولة بنت حكيم عليَّ وهي باذَّة الهيئة, فسألتها ما شأنك؟ فقالت: زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان، فقال: "يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا أما لك فيَّ أسوة؟ "فوالله! إني لأخشاكم لله وأحفظكم بحدوده"، والروايات واسعة في هذا المعنى عن عثمان تضمنها الدر المنثور.


(١) سورة المائدة (٨٧).
(٢) سورة المزمل: (٨).
(٣) في "المصنف" (٦/ ١٦٧ - ١٦٨ رقم (١٠٣٧٥).
(٤) في "المعجم الكبير" رقم (٨٣١٩).
قلت: وأخرجه البزار رقم (١٤٥٨ - كشف) وابن حبان رقم (٩)، بسند صحيح، وهو حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>