للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "أخرجت المنبر":

يدل أنه أخرج منبر المدينة، وقد روي أنه لما أنكر عليه تركَ إخراجه، وأمر بمنبر من لبن وطين.

وفي البخاري (١): أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينصرف من صلاة العيد فيقوم قائماً. أي: يقابل الناس.

وفي رواية لابن خزيمة (٢): خطب يوم عيد على رجليه. وهو مشعر بأنه لم يكن في مصلاه - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ [منبر] (٣).

فإن قلت: لا يخفى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج المنبر كما قاله، وهذا ترك منه - صلى الله عليه وسلم -، والترك لا يعد سنة؛ لأنها الأقوال والأفعال، والتقرير بخلاف تقديمه الخطبة، فإنه خالف فعله - صلى الله عليه وسلم -.

قلت: التأسي به - صلى الله عليه وسلم - يجري في الأفعال والتروك، ولذا عدّ بعض علماء الأصول التروك أفعالاً، ولأنَّ المراد أنه خالف طريقته - صلى الله عليه وسلم - وهديه، وهو كافٍ في سببية الإنكار، وعلى ما قررنا، فإنه إنما توسل إلى إنكاره ما هو منكر بالإجماع من سبّه لأمير المؤمنين، وإقسارهم على سماع سبه.

وفيه دليل على أنه إذا وقع إنكار المنكر، ولم يؤثر فلا يجب على المنكر فراق موقف الطاعة، وإن سمع فيه، أو رأى ما يحرم مما أنكره؛ لأنه قد قام بالواجب عليه من الإنكار، فسماعه لما يحرم لا إثم عليه فيه سيما إذا خاف تفرق العباد، وزيادة الفساد، وإلا فإن ابن عمر لما دخل مسجداً لصلاة الظهر، وسمع من يثوب في أذانه، أو إقامته خرج من المسجد لما فيه من الابتداع، ولا يقال: هؤلاء أفراد من الصحابة، لا دليل في أفعالهم, لأنا نقول: هم منزهون عن فعل المنكر وسماعه بعد إنكاره.


(١) في "صحيحه" رقم (٩٥٦).
(٢) في "صحيحه" رقم (٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩).
(٣) بياض في الأصل بمقدار كلمة ولعلها ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>