للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "سرعان الناس" (١) بفتح المهملات ومنهم من سكن الراء، وضبط بضم ثم إسكان كأنه جمع سريع ككثيب وكثبان، والمراد: أوائل الناس خروجاً من المسجد وهم ذو الحاجات.

وقوله: "لم أنسَ ولم تقصر" نفي للأمرين معاً، وهو يبين المراد بقوله في رواية مسلم (٢): "كل ذلك لم يكن" ويؤيد قول أئمة البيان (٣) أن لفظ (كل) إذا تقدم وعقبها النفي كان نفياً لكل فرد لا للمجموع، بخلاف ما إذا تأخرت كأن يقول: لم يكن كل ذلك، ولذا أجاب ذو اليدين في رواية (٤) بقوله: "بعض ذلك قد كان"، وفي هذه الرواية: "بلى قد نسيت" لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما نفى الأمرين، وكان مقرراً عند الصحابي أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان لا القصر.

[و] (٥) قوله: "قال: أصدق ذُو اليدين؟ " استفهام منه عن صدقه, وقد استشكل بأن ذا اليدين عدل ولم يقبل خبره بمفرده.


(١) انظر ما تقدم.
(٢) في صحيحه رقم (٩٩/ ٥٧٣).
(٣) ذكر علماء النحو والبيان الفرق بين أن يتقدم النفي على (كل) وبين أن تتقدم هي عليه، فإذا تقدمت على حرف النفي نحو: كل القوم لم يقم، أفادت التنصيص على انتفاء قيام كل فرد فرد، وإن تقدم النفيُّ عليها مثل: لم يقم كل القوم، لم تدل إلا على نفي المجموع وذلك بصدق بانتفاء القيام عن بعضهم ويسمى الأول عموم السلب، والثاني سلب العموم من جهة أن الأول يحكم فيه بالسلب عن كلِّ فردٍ والثاني لم يفد العموم في حق كل أحد إنما أفاد نفي الحكم عن بعضهم، قال القرافي: وهذا شيء اختصت به (كل) من بين سائر صيغ العموم. قال: وهذه القاعدة متفق عليها عند أرباب البيان وأصلها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن".
انظر: "البحر المحيط" (٣/ ٦٤)، "أصول السرخسي" (١/ ١٥٨)، "إرشاد الفحول" (ص ٤٠٦) بتحقيقي.
(٤) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (٩٩/ ٥٧٣).
(٥) زيادة من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>