للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "ثم جلس، وكان متكئاً".

إنما جلس لزيادة الاهتمام فيما سيقوله، ولذا ابتدأ خطابه بالقسم زيادة، وفيه دليل أنه سيكون في أمته ما كان في بني إسرائيل من الأمور التي ذكرها، وأنه يجب على علماء أمته أن يعطفوا على الحق ويردوه عنه، وإلا أصابهم ما أصاب بني إسرائيل.

واعلم أنه اشتهر في العرف أنَّ الظالم هو الذي يتأمر على العباد، ويأكل أموالهم بالباطل، ويبغي في الأرض الفساد، فلا يتبادر عند إطلاقه إلا هذا الفرد، ولا ريب أنه أعظم أفراد الظلمة، ولكن الظالم المراد هنا في الأحاديث العاصي، كما قال أبو البشر آدم - عليه السلام -: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} (١) الآية, أي: بالمعصية بأكل الشجرة، وقال: ذو النون - عليه السلام -: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)} (٢).

وفي الدعاء الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يقوله في صلاته، وفيه: "إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً" (٣) حديث صحيح سيأتي.

وانظر إلى قوله في أول هذا الحديث: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي" إذا عرفت هذا عرفت أن كل من واكل أيّ عاصٍ وجالسه وخَالَله بعد نهيه له [٦٥ ب/ ج] ولم ينته، ويتوب، ولو كان ولده أو أخوه أو امرأته، أو خادمه، فإنه داخل في هذا الوعيد فتنبه للمراد، ولا تكن غافلاً عما أفاد.


(١) سورة الأعراف الآية: (٢٣).
(٢) سورة الأنبياء الآية: (٨٧).
(٣) أخرجه أحمد (١/ ٤، ٧) والبخاري رقم (٨٣٤) ومسلم رقم (٢٧٠٥) والترمذي رقم (٣٥٣١) والنسائي (٣/ ٥٣) وابن ماجه رقم (٣٨٣٥) وغيرهم، وهو حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>