للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوجه من الوجوه, والصمديَّة المثبتة له جميع صفات [٢٣٦ ب] الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد الذي هو من لوازم الصمديَّة، وغناه, وَأَحَدَّيته، ونفي الكفء المتضمن لنفي التشبيه والتمثيل والنظير.

فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له، ونفي كل نقص عنه, ونفي إثبات شبيه أو مثيل له في كماله، ونفي مطلق الشريك عنه, وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلمي الاعتقادي الذي يُباين صاحبه جميع فرق الضلال والشرك، ولذلك كانت تعدل ثلث (١) القرآن، فإنّ القرآن مداره على الخبر والإنشاء، والإنشاء ثلاثة: أمرٌ ونهي وإباحة, والخبر نوعان: خبر عن الخالق تعالى، وأسمائه وصفاته وأحكامه، وخبر عن خلقه، فأخلصت سورة الإخلاص للخبر عنه, وعن أسمائه، وصفاته، فعدلت ثلث القرآن، وخلَّصت قارئها المؤمن بها من الشرك العلمي.

كما خلَّصته سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)} عن الشرك العملي الإرادي القصدي، ولمّا كان العلم قبل العمل وهو إمامه وقائده وسائقه, والحاكم عليه ومنزله منازله، كانت سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} تعدل ثلث القرآن، والأحاديث بذلك تبلغ مبلغ التواتر، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)} تعدل ربع القرآن (٢).

ولمّا كان الشرك العملي الإرادي أغلبَ على النفوس لأجل مانعها هواها، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرَّته وبطلانه، لما لها فيه من نيل [٥١٥/ أ] الأغراض، وإزالته، وقلعه منها أصعب، وأشد من قلع الشرك العملي وإزالته؛ لأنَّ هذا يزول بالعلم والحجة، ولا يمكن صاحبه أن يعلم الشيء على خلاف ما هو عليه، بخلاف شرك الإرادة والقصد، فإنّ صاحبه


(١) تقدم ذكرها.
(٢) تقدم ذكرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>