للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللبخاري (١) في التفسير، فقال لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم"، ثم استشكل برجوعه - صلى الله عليه وسلم - إليهم في ذلك. أي: بقوله: خيرهم ..

وأجيب (٢) عنه بأنه يحتمل أنه كان أوحى إليه بصدقهم، أو تواتر عنده الخبر بذلك، أو أنه أخبره من أسلم منهم كابن سلام، وليس في الخبر دليل أنه ابتداء الأمر بصيامه، بل في حديث عائشة (٣) التصريح بأنَّه كان يصومه قبل ذلك، فغاية ما في القصة أنَّه لم يحدث له بقول اليهود تجديد (٤) حكم، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال، ولا ينافي ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه، وأنَّ أهل الجاهلية كانوا يصومونه، إذْ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك.

وأخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس (٥) زيادة في سبب صوم اليهود له.


(١) في "صحيحه" رقم (٤٦٨٠).
(٢) قاله المازري في "المعلم بفوائد مسلم" (٢/ ٣٨).
(٣) تقدم، وهو حديث صحيح.
(٤) قال السندي: قوله: "أنا أحق بموسى أي: بموافقة موسى لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠] وعلم من هذا أن المطلوب منه الموافقة لموسى، لا الموافقة ليهود، فلا يشكل بأنه يجب مخالفتهم لا موافقتهم، على أنه كان في أول الأمر يجب موافقتهم لتألفهم، ثم لا علم منهم إصرارهم على الكفر وعدم تأثير التأليف فيهم، ترك موافقتهم ومال إلى مخالفتهم، ولهذا عزم على المخالفة في آخر الأمر بضم صوم التاسع إلى صوم عاشوراء، وأما الأخذ بقولهم، فإما لأنه تواتر ذلك عنده، أو لأنه علم بالوحي صدقهم فيه. والله تعالى أعلم.
(٥) وقد وهم الشارح. بل هو من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
قال الحافظ في "الفتح" (٤/ ٢٤٧): ولأحمد من طريق شبيل بن عوف عن أبي هريرة نحوه، وزاد فيه: "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>