ومن أجوبة الجمهور عن الآية ومفهوم حديث الباب بأن ذلك تنفير عن الكفار وإهانة لهم، وهذا وإن كان مجازاً فقرينته ما ثبت في الصحيحين (أ) من أنه - صلى الله عليه وسلم - "توضأ من مزادة مشركة"، وربط ثمامة بن أثال وهو مشرك بسارية من سواري المسجد (ب) , وأكل من الشاة التي أهدتها له يهودية (جـ) من خيبر، وأكل من الجبن المجلوب من بلاد النصارى كما أخرجه أحمد (د) وأبو داود (هـ) من حديث ابن عمر، وأكل من خبز الشعير والإهالة لما دعاه إلى ذلك يهودي. وما سلف من مباشرة الكتابيات، والإجماع على جواز مباشرة المسبية قبل إسلامها، وتحليل طعام أهل الكتاب ونسائهم بآية المائدة (و) وهي آخر ما نزل. وإطعامه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه للوفد من الكفار من دون غسل للآنية، ولا أمر به، ولم ينقل توقي رطوبات الكفار عن السلف الصالح ولو توقوها لشاع. قال ابن عبد السلام: ليس من التقشف أن يقول: أشتري من سمن المسلم لا من سمن الكافر؛ لأن الصحابة لم يلتفتوا إلى ذلك. وقد زعم المقبلي في "المنار" "أن الاستدلال بالآية المذكورة على نجاسة الكافر وهم لأنه حمل لكلام الله ورسوله على اصطلاح حادث. وبين النجس في اللغة، والنجس في عرف المتشرعة: عموم، وخصوص من وجه، فالأعمال السيئة نجسة لغة، لا عُرفاً، والخمر نجس عرفاً، وهو أحد الأطيبين عند أهل اللغة، والعذرة نجس في العرفين فلا دليل في الآية" انتهى. ولا يخفاك أن مجرد تخالف اللغة والاصطلاح في هذه الأفراد لا يستلزم عدم صحة الاستدلال بالآية على المطلوب، والذي في كتب اللغة أن النجس ضد الطاهر، قال في "القاموس" (ص ٧٤٣): النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد ضد الطاهر، انتهى. فالذي ينبغي التعويل عليه في عدم صحة الاحتجاج بها هو ما عرفناك. =