للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): ويلحق غير الذباب بالذباب، فيما شاركه في أنه لا نفس له سائلة في معنى التخسيس وليس ذلك كالمرتبة التي قبلها؛ لأن الإلحاق هنا باعتبار علة استنبطها المستدل من الأصل وهو كونه لا نفس له سائله.

قال (٢): وقضية التعليل في الحديث أنه إذا وقع جناحاه أو أحدهما لا يغمس لانتفاء العلة المقتضية للغمس، واحتمال أنّ الجناح الباقي في الصورة الثانية هو الذي فيه الداء. انتهى.

قلت: هذه الصورة الآخرة لا فائدة لغمسه؛ لأن إذا كان الذي فيه الداء وقد ذهب الجناح الذي فيه دواءه، فلم يبق ما يقام الداء، فالأولى ترك الشراب الذي وقع فيه؛ لأنه قد خلط الداء بنص الشارع، وهو يُحب تجنبه؛ لأن حفظ البدن واجب.

قال الخطابي (٣): تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له، وقال: كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذباب؟ وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم جناح الداء، وتؤخر جناح الشفاء وما أدّاها إلى ذلك؟.

قال: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، فإن الذي نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع بينهما، وبين الحرارة والبرودة، والرطوبة، واليبوسة, وهي أشياء متضادة, إذا تلاقت تفاسدت ثم يرى أنَّ الله سبحانه ألفّ بينها وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان الذي بها نماؤه وصلاحه، لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والدواء في جرابين من منوال واحد.

وإن الذي ألهم النحل يتخذ البيت العجيب الصنعة وأنْ تعسل فيه, وألهم الذرة أن تكسب قوتها وتدّخره لأوان حاجتها إليه، هو الذي خلق الذبابة، وجعل لها الهداية إلى أن يقدم


(١) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٢٥١).
(٢) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٢٥١).
(٣) في "معالم السنن" (٤/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>