للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قال ابن القيم في "الهدي (١) ": إن هذا مما عد في أوهام الزهري فإنه لا يعلم عن أحد من أهل المغازي والسير [البتة] (٢) ذكر هذين الرجلين في أهل بدر لا ابن إسحاق ولا موسى بن عقبة ولا الأموي ولا الواقدي، ولا أحد ممن عد أهل بدر ولذلك ينبغي أن لا يكونا من أهل فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يهجر حاطباً ولا عاتبه وقد جسَّ عليه وقال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وأين ذنب التخلف من ذنب الجس. انتهى كلامه.

وتعقبه الحافظ ابن حجر (٣) فقال: قلت: ليس ما استدل به بواضح؛ لأنه يقتضي أن البدري إذا جنى جناية [٣٤١/ ب] ولو كثرت لا يعاقب عليها وليس كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب فلي قصة حاطب قد جلد قدامه بن مظعون [أي] (٤): لما شرب الخمر - وهو بدري كما تقدم وإنما لم يعاقب النبي - صلى الله عليه وسلم - حاطباً ولا هجره؛ لأنه قبل عذره في كونه غريباً خشية على أهله وولده، وأراد أن يتخذ عندهم يداً فعذره لذلك، بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنَّه لم يكن لهم عذر أصلاً، انتهى كلام ابن حجر فرد كلام ابن القيم، وأن من شهد بدراً كغيره يعاقب على ذنبه، وأنه إنما لم يعاقب - صلى الله عليه وسلم - حاطباً؛ لأنه قبل عذره لا لأنه من أهل بدر، فأقر كلام ابن القيم في أن حاطباً ما عوتب ولا هجر وخالفه في العلة وأنها قبول عذره.

قلت: وهذا منهما رحمهما الله عجيب فإنه ذهل ابن القيم وابن حجر في كون حاطباً لم يعاتبه - صلى الله عليه وسلم - فإن الله وقع منه عتاب لحاطب من أشد العتاب وأعظم مما أتى في آيات الكتاب فإنه أنزل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [٣٤٢/ ب] تُلْقُونَ


(١) في "زاد المعاد" (٣/ ٥٠٥).
(٢) زيادة من (أ).
(٣) في "الفتح" (٨/ ١٢٠).
(٤) في (أ) الحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>