للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (١)} (١)، وما زال تعالى ينزل العتاب على أساليب وضرب للأمثال بالخليل وقومه حتى ختم السورة بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} (٢) الآية.

فأي عتاب أوجع من هذا العتاب؟ وكيف وهو عتاب من الرب تعالى تذوب له القلوب!

ويعلم أن الجسَّ من أعظم الذنوب بلغة أشرف خلق الله بكلام إلهي يجب إبلاغه إلى كل مكلف من الإنس والجان وتدوم تلاوته بكل لسان فكيف أنه - صلى الله عليه وسلم - ما عاتب حاطباً.

وأما قول ابن القيم (٣): ولا هجره. أي: كما هجر الثلاثة.

فجوابه أن العقوبات للذنوب ليست نوعاً واحداً حتى تعين بل أنواع العقوبات كثيرة جرت بتعددها حكمة الله وعلمه فعاقب تعالى على الجسّ أعظم عقوبة بالعتاب الذي تولاه والوعيد والتهديد والتشديد، وعاقب الثلاثة بأمر العباد بهجرهم وترك مكالمتهم ومخاطبتهم وهي من عظيم العقوبات أن يصير بين الأحياء كالأموات.

ويظهر لي - والله أعلم - أن خصوصية هذه العقوبة بالثلاثة أنهم اختاروا لأنفسهم هجر رَسُولِ الله [٣٤٣/ ب]- صلى الله عليه وسلم - وهجر المسلمين بتخلفهم عنهم والبقاء في الخالفين والقاعدين [٩٨/ أ] مع كونهم آثمين، فكان جزاءهم من جنس ما اختاروه بأن أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعباده المؤمنين بأن يهجروهم وهو بين ظهورهم، يلاقونهم فلا يكالمونهم ولا يجالسونهم، ولا يدنون منهم، والمؤمنون في هجرهم إياهم مثابون وبه مأمورون، وكان لسان


(١) سورة الممتحنة الآية (١).
(٢) سورة الممتحنة الآية (١٣).
(٣) في "زاد المعاد" (٣/ ٥٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>