للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال النووي في "الأذكار (١) " التورية: أن يقصد بالعبارة مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ. انتهى.

وقال القاضي عياض [٣٤٨/ ب] في "الشفاء (٢) " على قوله: "ورَّى بغيرها": ليس فيه خلف في القول، وإنما هو ستر مقصده، لئلا يأخذ عدوُّه حذره، وكتم وجه ذهابه بذكر السؤال عن موضع آخر، والبحث عن إخباره والتعريض بذكره، لا أنه يقول: تجهزوا إلى موضع كذا أو وجهتنا إلى موضع كذا خلاف مقصده، فهذا لم يكن؛ والأول ليس فيه خبر يدخله الخلف. انتهى.

٢٥ - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}، {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} نسختها: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}. أخرجه أبو داود (٣). [حسن]


(١) (٢/ ٩١٨).
(٢) (٢/ ٧٨٠ - ٧٨١).
(٣) في "السنن" رقم (٢٥٠٥) وهو حديث حسن.
قال ابن جرير في "جامع البيان" (١٢/ ٧٣ - ٧٤).
والصواب من القول في ذلك عندي أن الله عنى بها الذين وصفهم بقوله: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} الآية، ثم قال جل ثناؤه: ما كان لأهل المدينة الذين تخلفوا عن رسول الله، ولا لمن حولهم من الأعراب الذين قعدوا عن الجهاد معه، أن يتخلفوا خلافه، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ندب في غزوته تلك كل من أطاق النهوض معه إلى الشخوص إلا من أذن له، أو أمره بالمقام بعده، فلم يكن لمن قدر على الشخوص التخلف، فعدد جل ثناؤه من تخلف منهم، فأظهر نفاق من كان تخلفه منهم نفاقاً، وعذر من كان تخلفه كان لعذر، وتاب على من كان تخلفه تفريطاً من غير شك ولا ارتياب في أمر الله، إذ تاب من خطأ ما كان منه من الفعل، فأما التخلف عنه في حال استغنائه، فلم يكن محظوراً، إذ لم =

<<  <  ج: ص:  >  >>