للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يخفى أن دس جبريل لحال [١٠١/ أ] البحر لئلا تدركه الرحمة. أي: فيخرج عن الكفر بالرحمة، وهذا عين إرادة بقائه على الكفر، وأما القسم الآخر من [] (١) فلم يرده الزمخشري.

وأما قول الرازي (٢) أنه كيف يأمر رسوليه - عليهما السلام - بأن يقولا لفرعون قولاً ليناً، ويأمر جبريل أن يمنعه من الإيمان ففيه شيئان:

الأول: أنه قد ذكر أن الإيمان بالقلب صحيح، إذا منعت اللسان، فأي نفع من دسه لحال البحر في فيه، ومثله قال الزمخشري.

الثاني: أنه تعالى أمر رسوليه - عليهما السلام - بالقول اللين أول الأمر ثم لما تمادى في كفره قال الله: {آسَفُونَا} أي: أغضبونا. {انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: ٥٥] فلا منافاة بين حال الإغضاب وقبله.

وأما الإشكال الوارد على صاحب "الإتحاف" بعد قوله بأنه قد آمن بأنه كيف لم يقبل الله إيمانه وقد بذل وسعه، فقد أجاب هو عنه بأنه مثل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [٣٥٢/ ب] قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: ٨٤، ٨٥]. انتهى.

فجعله كإيمان من حضره الموت وإلى مثله ذهب الرازي، فإنه أورد السؤال وأجاب عنه بشبه أجوبة هذا أحدها: أنه إنما آمن عند نزول العذاب، والإيمان في هذا الوقت غير مقبول؛ لأن عند نزول العذاب يصير الحال وقت الإلجاء، وفي هذه الحال لا تكون التوبة مقبولة، ولهذا السبب قال: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: ٨٥] انتهى.


(١) كلمة غير مقروءة.
(٢) في تفسيره (١٧/ ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>