للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصاحب "الإتحاف" لم يرتض تعليل عدم القبول بالإلجاء، بل بما علله الله أنها سنته التي قد خلت في عباده.

وقال أبو السعود (١): إن قوله تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس: ٩١] الآية، فيها من الدلالة على عظم السخط وشدة الغضب ما لا يخفى، كما يفصح عنه ما روي أن جبريل دسَّ فاه عند ذلك بحال البحر ولسده به، فإنه تأكيد للرد القولي بالرد الفعلي، ولا ينافيه تعليله بمخافة إدراك الرحمة، إذ المراد بها الرحمة الدنيوية. أي: النجاة التي هي طلبة المخذول، وليس من ضرورة إدراكها صحة الإيمان، كما في إيمان قوم يونس، حتى يلزم من كراهية ما لا يتصور في شأن جبريل من الرضى بالكفر، إذ لا استحالة في ترتيب هذه الرحمة على مجرد التفوه بكلمة الإيمان، وإن كان ذلك في حالة اليأس، فيحمل. دسه على سد باب الاحتمال البعيد بكمال الغيظ وشدة الحرْدِ فتدبر. والله الموفق. انتهى بلفظه.

ويريد بالرحمة الدنيوية تخليصه من الغرق، وهو نظير: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} (٢).

قلت: فهذه أقوال أئمة التحقيق من كل فريق، ولم يصف ماؤها (٣) عن الكدر، ولا اتضح وجه الحديث بها، ولا أسفر فالذي يقوى أنه من الأحاديث المتشابهة. والله أعلم.


(١) في تفسيره (٣/ ٥٣٦ - ٥٣٧).
(٢) سورة الإسراء الآية (٦٧).
(٣) قال الحافظ في "الكافي الشاف" (ص ١٤٤ - ١٤٥).
قوله "والذي يحكي" ... إلى قوله: "لأن الرضا بالكفر كفر" هذا إفراط منه في الجهل بالمنقول والغض من أهله، فإن الحديث صحيح الزيادات، وقد أخرجه الترمذي وصححه، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، وإسحاق، والبزار، وأبو داود، والطيالسي، كلهم من رواية شعبة، عن عدي بن ثابت، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رفعه أحدهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن جبريل كان يدس في فم فرعون =

<<  <  ج: ص:  >  >>