لَعَمْرُ الله، وَالله لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ، تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَنَزَلَ وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثم بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبلَة لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَح أَبوَاي عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِى إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ: إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ جَلَسَ، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكُثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ فتشَهَّدَ حينَ جَلَسْ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله تَعَالَى، وَإِنْ كنْتِ ألْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي الله تَعَالَى وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ", فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ بِقَطْرَةٍ، وَقُلْتُ لأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيْمَا قَالَ، قَالَ: وَالله مَا أَدْرِى مَا أَقُولُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِّي فِيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَالله مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرآنِ فَقُلْتُ: إِنِّي وَالله أَعْلَمُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ حَدِيْثَاً تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهِ، وَاسْتَقَرَّ فِي نُفُوْسكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِى بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَالله يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، فَوَالله مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ، إِذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)} [يوسف: ١٨]، ثُمَّ تحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا والله حِيْنَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيْئَة، وَإِنَّ الله تَعَالَى مُبَرِّئي بِبَرَاءَتي، وَلَكِنْ وَالله مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزِلَ الله تَعَالَى فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَكِن كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي الله تَعَالَى بِهَا، فَوَالله مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، فَسُرِّيَ عَنْه وَهُوَ يَضحَكُ، فكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي: "يَا عَائِشَةُ! احْمَدِى الله فَإِنَّهُ قَدْ بَرَّأْكِ" فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute