للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحَابِنَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ الْكُلِّ فَلَا يَنْفُذُ عِنْدَ الْكُلِّ، فَكَانَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ قَوْلَ الْكُلِّ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ.

وَفِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَإِنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ آخَرُ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ قَاضٍ آخَرُ بَطَلَ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إمْضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِمُخْتَلِفَةٍ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِيهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ آخَرُ يُنْفِذُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ وَإِنْ أَبْطَلَهُ قَاضٍ آخَرُ بَطَلَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إمْضَاؤُهُ، وَفِي الزِّيَادَاتِ لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا أَسَارَى مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَحْرَزُوهُمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُشْرِكُونَ وَلَمْ يُحْرِزُوهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ آخَرُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَخَذُوهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُمْ يُرَدُّونَ عَلَى الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ اقْتَسَمَ الْفَرِيقُ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَقْتَسِمُوا، قَالَ فِي الْكِتَابِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَسَمَ بَيْنَ الْفَرِيقِ الثَّانِي.

أَمَّا مَا يَرَى مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ تَمَلُّكًا وَإِحْرَازًا فَحِينَئِذٍ كَانَ الْفَرِيقُ الثَّانِي أَوْلَى، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا اسْتَوْلَى الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهُ بِعَسْكَرِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ اسْتَنْقَذَهُ مِنْهُمْ جَيْشٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ حَتَّى قَسَمَ الْمَتَاعَ بَيْنَ مَنْ أَصَابَهُ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ وَالْمَتَاعُ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ الْحَالَ وَرَأَى إحْرَازَهُمْ بِالْعَسْكَرِ إحْرَازًا تَامًّا فَخَمَّسَهُ وَقَسَّمَهُ مَعَ غَنَائِمِ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ مَنْ أَصَابَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ غَيْرَ إحْرَازٍ جَازَ مَا صَنَعَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُبْطِلْهُ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قُلْنَا فِيمَنْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِالنِّكَاحِ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُجَوِّزُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ يَقُولُ: لَيْسَ لَلنِّسْوَانِ شَهَادَةٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ لِلْفَاسِقِ شَهَادَةٌ أَصْلًا، وَلَكِنْ قِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَصْلَيْنِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ مِنْ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ فِيهِمَا.

وَمَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْمِلْكِ لِلْكَافِرِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ نَافِذٌ، قِيلَ: وَقَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

قَالَ: وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْفُذُ وَفِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ مِنْ تَعْلِيقِي أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، وَلَوْ قَضَى بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَنْفُذُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْفُذُ.

وَلَوْ قُضِيَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>