للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ.

وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ اشْتَرَى رَجُلٌ دَابَّةً وَغَزَا عَلَيْهَا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَعَهُ فِي الْعَسْكَرِ خَاصَمَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَرْكَبَهَا وَلَكِنْ يَسُوقَهَا مَعَهُ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ رَكِبَهَا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ حَمْلِ أَمْتِعَتِهِ عَلَيْهَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، وَجَدَ دَابَّةً أُخْرَى أَوْ لَمْ يَجِدْ، فَإِنْ أَتَى الْإِمَامَ وَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَهُ بِالرُّكُوبِ فَرَكِبَ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الرُّكُوبِ لِمَا أَنَّهُ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا الْهَلَاكَ فَرَكِبَ وَلَمْ يُنْقِصْهَا رُكُوبُهُ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُكْرِهْهُ الْإِمَامُ عَلَى الرُّكُوبِ وَلَكِنْ قَالَ: ارْكَبْهَا وَأَنْتَ عَلَى رَدِّك فَرَكِبَهَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ فَإِنْ ارْتَفَعَا إلَى قَاضٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَدَّهَا بِالْعَيْبِ عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ لِمَا قَالَ لَهُ الْأَمِيرُ مِنْ ذَلِكَ.

ثُمَّ رُفِعَتْ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى مَا صَنَعَ الْأَوَّلُ خَطَأً فَإِنَّهُ يُمْضِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ وَلَوْ قَضَى بِإِبْطَالِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ.

وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ، وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي أَبْوَابِ الْفِدَاءِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ رَقِيقًا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَبَاعَ الْقَاضِي رَقِيقَهُ وَقَضَى دُيُونَهُ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ دَبَّرَهُ كَانَ بَيْعُ الْقَاضِي فِيهِ بَاطِلًا.

وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِتَدْبِيرِهِ فَاجْتَهَدَ وَأَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ، ثُمَّ وَلِيَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى ذَلِكَ خَطَأً يَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ وَالْمَذْكُورُ ثَمَّةَ وَإِذَا شَهِدَ مَحْدُودَانِ فِي قَذْفٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَتَّى قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ حُجَّةٌ أَمْضَى قَضَاءَهُ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْيِهِ ذَلِكَ نَقَضَ قَضَاءَهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكَوْنِ الشَّاهِدِ مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ فِي حَالِ ابْتِدَاءِ الشَّهَادَةِ إنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ يَقْضِي بِهَا وَمَا لَا فَلَا فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدِ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ أَيْضًا وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

إذَا قَضَى الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَعْنِي كَوْنَهُ عَالِمًا بِالِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ لَكِنْ يُفْتَى بِخِلَافِهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَهُنَا شَرْطٌ آخَرُ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ أَنْ يَصِيرَ الْحُكْمُ حَادِثَةً فَتَجْرِي فِيهَا خُصُومَةٌ صَحِيحَةٌ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَهُوَ يَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُ حُجَّةٌ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَفِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ مِنْ تَعْلِيقِي عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيِّ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَرُفِعَ قَضَاؤُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ إنَّمَا لَا يُبْطِلُ الثَّانِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ يَرَاهُ حَقًّا وَعَلِمَ الثَّانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>