للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْتَ عَلَى الْبَابِ أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا وَحْدَهَا وَيَكُونُ الْغَرِيمُ عَلَى الْبَابِ، قِيلَ لَهُ: إذًا تَهْرُبُ الْمَرْأَةُ وَتَذْهَبُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُلَازِمُهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ كَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنْ شَاءَ بِرِجَالٍ وَإِنْ شَاءَ بِنِسَاءٍ وَهَذَا فِي النَّهَارِ، وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَيُلَازِمُهَا بِالنِّسَاءِ لَا مَحَالَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُلَازِمُ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ الْأَمْنُ مِنْ الْفِتْنَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ذَكَرَ هِلَالٌ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَنَّهُ فَقِيرٌ فَالْقَاضِي لَا يُخَلِّي سَبِيلَهُ حَتَّى يَسْأَلَ فِي السِّرِّ، وَأَنَّهُ حَسَنٌ فَإِنْ وَافَقَ خَبَرُ السِّرِّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ لَا يُخَلِّي سَبِيلَهُ أَيْضًا حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمَحْبُوسَ، ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ وَإِنْ خَالَفَ خَبَرُ السِّرِّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ أَخَذَ بِخَبَرِ الْعُدُولِ فِي السِّرِّ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ بَعْدَ الْحَبْسِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِفْلَاسِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْحَبْسِ مَقْبُولَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

وَإِنْ أَقَامَ الْمَحْبُوسُ بَيِّنَةً عَلَى عُسْرَتِهِ وَأَقَامَ صَاحِبُ الْحَقِّ بَيِّنَةً عَلَى يَسَارِهِ أَخَذَ بِبَيِّنَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْوَقْفِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ؛ فَقَالَ: يَنْبَغِي لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فَقِيرٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا وَلَا عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ. وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدِمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَثِيَابِ لَيْلِهِ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا أَمْرَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَهَذَا أَتَمُّ وَأَبْلَغُ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَتْ عُسْرَتُهُ فَالْقَاضِي لَا يَحْبِسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْرِفْ لَهُ مَالًا وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عُسْرَتِهِ بَعْدَ مَا مَضَتْ مُدَّةٌ فِي الْحَبْسِ وَكَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا فَالْقَاضِي لَا يَنْتَظِرُ حُضُورَ الْغَائِبِ بَلْ يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ وَلَكِنْ يَأْخُذُ كَفِيلًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إعْسَارِ الْمَحْبُوسِ فَقَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِهِ أَطْلَقَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَحْبُوسَ فَطَلَبَ الْمَحْبُوسُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعُسْرَتِهِ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا بِحَضْرَةِ رَبِّ الدَّيْنِ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً حَتَّى لَا يَحْبِسَهُ رَبُّ الدَّيْنِ ثَانِيًا مِنْ سَاعَتِهِ وَحَتَّى لَا يَحْبِسَهُ دَائِنٌ آخَرُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ رَجُلَيْنِ فَأَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ السِّجْنِ حَتَّى يُؤَدِّيَ حَقَّ الْآخَرِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَحْبُوسِ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ عَلَى الْبَعْضِ وَقَدْ نُصَّ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ عَلَى ذَلِكَ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثَمَّةَ: رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسُمِائَةٍ وَلِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ وَلِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَتَانِ؛ فَاجْتَمَعَ الْغُرَمَاءُ وَحَبَسُوهُ بِدُيُونِهِمْ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَمَالُهُ خَمْسُمِائَةٍ كَيْفَ يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يَقْضِي دُيُونَهُ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْقَضَاءِ وَيُؤْثِرَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ غَائِبًا وَالدَّيْنُ ثَابِتٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>