أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّهَا بَاطِلَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي قُلْنَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُضْطَرِبٌ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي بَعْضِهَا مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ جَازَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا، فَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ مَضَى الْأَمْرُ وَإِنْ عَجَزَ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبْدِ.
وَلَوْ أَوْصَى إلَى الْمُسْتَسْعَى جَازَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ أَيْضًا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
وَلَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ مَخُوفٍ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، قَالُوا: مَعْنَاهُ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَيَجْعَلَ غَيْرَهُ وَصِيًّا إذَا كَانَ هَذَا الْفَاسِقُ مِمَّنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا، وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ أَنْفَذَ الْوَصِيَّةَ فَقَضَى هَذَا الْوَصِيُّ دَيْنَ الْمَيِّتِ وَبَاعَ كَمَا يَبِيعُ الْأَوْصِيَاءُ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ الْقَاضِي كَانَ جَمِيعُ مَا صَنَعَ جَائِزًا وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى تَابَ وَأَصْلَحَ تَرَكَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا عَلَى حَالِهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّ لَهُ وَصِيًّا فَنَصَّبَ وَصِيًّا آخَرَ بِمَحْضَرِ الْوَصِيِّ فَأَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا الْفِعْلُ إخْرَاجًا لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِأَنَّ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا وَالْوَصِيُّ غَائِبٌ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَالْوَصِيُّ هُوَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ دُونَ وَصِيِّ الْقَاضِي، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا أَوْصَى مُسْلِمٌ إلَى حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَأْمَنٍ فَهِيَ بَاطِلَةٌ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ إلَى الذِّمِّيِّ فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهَا وَيُخْرِجَهُ مِنْ الْوِصَايَةِ.
وَالذِّمِّيُّ إذَا أَوْصَى إلَى الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْ الْحَرْبِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمُ لَوْ أَوْصَى إلَى ذِمِّيٍّ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً وَإِذَا كَانَ الْحَرْبِيُّ مِمَّنْ يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الْمَالِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ الْوِصَايَةِ وَيُنَصِّبُ مَكَانَهُ عَدْلًا كَافِيًا.
وَإِذَا أَوْصَى الذِّمِّيُّ إلَى الذِّمِّيِّ كَانَ جَائِزًا وَلَا يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْوِصَايَةِ.
فَإِنْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَوْصَى إلَى مُسْلِمٍ جَازَ وَلَا يُخْرَجُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ
وَلَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ إلَى حَرْبِيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ كَانَ وَصِيًّا عَلَى حَالِهِ وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُرْتَدٍّ أَسْلَمَ.
وَلَوْ أَوْصَى إلَى عَاقِلٍ فَجُنَّ الْمُوصَى إلَيْهِ جُنُونًا مُطْبِقًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهُ وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْقَاضِي حَتَّى أَفَاقَ الْوَصِيُّ كَانَ وَصِيًّا عَلَى حَالِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ أَوْ مَجْنُونٍ جُنُونًا مُطْبِقًا لَمْ يَجُزْ أَفَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُفِقْ.
وَلَوْ بَاعَ الْمُرْتَدُّ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْمُسْلِمِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ إلَى الْمَرْأَةِ أَوْ إلَى الْأَعْمَى فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى إلَى مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ.
فَإِذَا أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ فَالْقَاضِي يُخْرِجُهُ عَنْ الْوِصَايَةِ وَيَجْعَلُ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَكَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْوِصَايَةِ كَمَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الذِّمِّيِّ وَتَصَرُّفُ الْعَبْدِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْفُذُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَنْفُذُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالذِّمِّيَّ الْقَاضِي مِنْ الْوَصِيَّةِ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الذِّمِّيُّ فَالْعَبْدُ وَالذِّمِّيُّ بَقِيَا وَصِيَّيْنِ وَلَا يُخْرِجُهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ، فَأَمَّا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَكُونُ وَصِيًّا وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَكُونُ وَصِيًّا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَفِي نَوَادِرِ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَالَ: إنْ مِتَّ أَنْتِ فَالْوَصِيُّ بَعْدَك فُلَانٌ، فَجُنَّ الْأَوَّلُ جُنُونًا مُطْبِقًا فَالْقَاضِي يَجْعَلُ مَكَانَهُ وَصِيًّا حَتَّى يَمُوتَ الَّذِي جُنَّ فَيَكُونُ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوصِي وَصِيًّا.
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَوَادِرِهِ فِيمَنْ أَوْصَى إلَى ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ قَالَ: يَجْعَلُ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَيُجَوِّزُ أَمْرَهُ فَإِذَا بَلَغَ ابْنُهُ جُعِلَ وَصِيًّا وَأُخْرِجَ الْأَوَّلُ إنْ شَاءَ وَلَا يَكُونُ خَارِجًا إلَّا بِإِخْرَاجِ الْقَاضِي، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَمَنْ أَوْصَى إلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ ضَمَّ إلَيْهِ الْقَاضِي غَيْرَهُ، وَلَوْ شَكَا إلَيْهِ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً فَإِنْ ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اُسْتُبْدِلَ بِهِ