للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْعَ كَانَ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ، وَهَذَا لِأَنَّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ لِلشَّرْطِ إلَّا أَنَّ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الشَّرْطِ فَيُكْتَبُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا وَيَكْتُبُونَ فِيهِ لَا فَسَادَ فِيهِ وَلَا عِدَّةَ وَفَاءٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْفَسَادَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زَوَالَ مِلْكِهِ فَيُكْتَبُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: وَلَا يَكْتُبُ وَلَا خِيَارَ فِيهِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ هَذَا إذَا شُرِطَ أَنْ لَا خِيَارَ فِيهِ يَكُونُ شَرْطًا مُغَيِّرًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَوْ كُتِبَ ذَلِكَ رُبَّمَا يُرْفَعُ إلَى مَنْ يَرَى ذَلِكَ الْقَوْلَ فَيُبْطِلُهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنْ يَكْتُبُ: بَيْعُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ؛ تَبَرُّكًا بِالسُّنَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا كَتَبَ كِتَابَ الشِّرَاءِ عَلَى عَدَّاءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ أَمَرَ بِكِتَابَةِ ذَلِكَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَصْحَابُنَا إنَّمَا لَمْ يَكْتُبُوا شِرَاءً صَحِيحًا وَلَمْ يَكْتُبُوا بَيْعَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَلَمْ يَكْتُبُوا لَا فَسَادَ وَغَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُتِبَ كَانَ هَذَا إقْرَارًا مِنْ الْمُشْتَرِي بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبِكَوْنِ الْمُشْتَرَى مِلْكَ الْبَائِعِ فَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُشْتَرَى مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ عَادَ إلَى يَدِ الْمُشْتَرِي يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْبَائِعِ فَلَا يُكْتَبُ هَذَا كَمَا لَا يُكْتَبُ مِلْكُ الْبَائِعِ.

ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَقَدَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا وَزْنَ سَبْعَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَبْ بِقَوْلِهِ وَنَقَدَ فُلَانٌ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُذْكَرْ قَبْضُ الْبَائِعِ فَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ نَقَدْتَنِي وَلَكِنْ لَمْ أَقْبِضْ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قَبْضِ الْبَائِعِ تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَبَعْدَ ذَلِكَ اخْتَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ وَأَوْجَزُ فَإِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ بَرَاءَةٍ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الْبَائِعِ وَذَلِكَ بِالدَّفْعِ وَالْقَبْضِ فَإِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ وَكِيلًا فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِالْقَبْضِ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا كُتِبَ: بَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ.

كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ وَبِصِحَّةِ الْقَبْضِ وَكَانَ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ يَكْتُبُ: وَبَرِئَ فُلَانٌ - يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ - إلَى فُلَانٍ - يَعْنِي الْبَائِعَ - مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ وَقَبَضَهُ مِنْهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ تَامًّا وَافِيًا وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَزْنَ سَبْعَةٍ وَهَذَا لِأَنَّ قَبْضَ الْبَائِعِ بِقَوْلِهِ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ يَثْبُتُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ النَّصِّ وَلَا يَقِفُ عَلَى الْمَعْنَى كُلُّ أَحَدٍ فَيَكْتُبُ: قَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ حَتَّى يَثْبُتَ قَبْضُهُ نَصًّا وَمَعْنَى لِيَكُونَ أَبْيَنَ وَأَقْطَعَ لِلشَّغَبِ وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ الشُّرُوطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكْتُبُ: وَقَبَضَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ - يَعْنِي الْبَائِعَ - مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ - يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ - جَمِيعَ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ تَامًّا وَافِيًا بِدَفْعِ فُلَانٍ ذَلِكَ إلَيْهِ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ - يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ - وَهُوَ كَذَا دِرْهَمًا وَزْنَ سَبْعَةٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ التَّصْرِيحُ بِالْقَبْضِ وَجَبَ التَّصْرِيحُ بِالدَّفْعِ أَيْضًا حَتَّى يَكُونَ قَبْضُ الْبَائِعِ الثَّمَنَ بِدَفْعِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَنْ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَإِذَا أَخَذَهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ يَكُونُ غَاصِبًا فَيُكْتَبُ: دَفَعَ الْمُشْتَرِي، تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكْتُبُ: وَدَفَعَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الثَّمَنَ كُلَّهُ تَامًّا وَافِيًا قَبَضَهُ مِنْهُ فُلَانٌ وَأَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ التَّصْرِيحُ بِالْقَبْضِ وَالدَّفْعِ جَمِيعًا وَجَبَ تَقْدِيمُ الدَّفْعِ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ لِلْقَبْضِ حُكْمَ الدَّفْعِ، وَالْحُكْمُ يَتَأَخَّرُ عَنْ السَّبَبِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ سَابِقًا عَلَى الْقَبْضِ إلَّا أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ نَوْعُ خَلَلٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِهِ يَقْتَضِي بَرَاءَةً مُبْتَدَأَةً لَا بِسَبَبِ الْقَبْضِ، وَالْبَائِعُ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّ مَا قَبَضَ مِنْ الثَّمَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>