للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْأَصْوَبُ أَنْ يَكْتُبَ: دَفَعَ فُلَانٌ الثَّمَنَ إلَى فُلَانٍ تَامًّا وَافِيًا وَقَبَضَهُ مِنْهُ فُلَانٌ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ وَهُوَ كَذَا دِرْهَمًا حَتَّى يَكُونَ الدَّفْعُ مُقَدَّمًا عَلَى الْقَبْضِ وَيَثْبُتُ صِحَّةُ الْقَبْضِ بِذِكْرِ الْبَرَاءَةِ إلَيْهِ وَيَنْتَفِي وَهْمُ الْبَرَاءَةِ الْمُبْتَدَأَةِ وَإِنَّمَا يَكْتُبُ: تَامًّا وَافِيًا لِلتَّأْكِيدِ وَيَكْتُبُ فِي الصَّكِّ زَوَائِدَ لِلتَّأْكِيدِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكِتَابِ: قَبَضَ الْمَبِيعَ.

وَكَمَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ قَبْضِ الثَّمَنِ لِيَكُونَ حُجَّةً لِلْمُشْتَرِي يَحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ قَبْضِ الْمَبِيعِ لِيَكُونَ حُجَّةً لِلْبَائِعِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُكْتَبَ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الشُّرُوطِ فِيهِ فَكَانَ السَّمْتِيُّ وَهِلَالٌ وَأَبُو زَيْدٍ الشُّرُوطِيُّ يَكْتُبُونَ: وَسَلَّمَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ جَمِيعَ الدَّارِ الْمَحْدُودَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكْتُبُ: وَسَلَّمَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ إلَى فُلَانِ جَمِيعِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَنَّهُ أَحْسَنُ وَإِنَّمَا كَتَبُوا: وَسَلَّمَ فُلَانٌ وَلَمْ يَكْتُبُوا: وَقَبَضَ فُلَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَبَضَ فُلَانٌ إذْنَ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الدَّارِ، وَفِي مَذْهَبِ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بَعْدَمَا نَقَدَ الثَّمَنَ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْمُشْتَرَى إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَلَوْ قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ كَالْغَاصِبِ وَكَانَ لِلْبَائِعِ إخْرَاجُهُ مِنْ يَدِهِ فَاخْتَارُوا لَفْظَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ إذْنُ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ تَحَرُّزًا عَنْ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ فَكَتَبْنَا التَّسْلِيمَ لِهَذَا.

وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا فِي الْكِتَابِ رُؤْيَةَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْمَبِيعَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَ مَا لَمْ يَرَهُ وَشِرَاءَ مَا لَمْ يَرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ مَا لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يُجَوِّزْ شِرَاءَ مَا لَمْ يَرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهِمَا إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ وَفِي الشِّرَاءِ لِلْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ كِتَابَةِ ذَلِكَ لِيَجُوزَ الْبَيْعُ وَيَنْتَفِيَ الْخِيَارُ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الشُّرُوطِ فِي كِتَابَتِهِ فَكَانَ السَّمْتِيُّ يَكْتُبُ: وَقَدْ أَقَرَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَنَّهُمَا قَدْ رَأَيَا جَمِيعَ الدَّارِ الْمَحْدُودَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا وَمَا هُوَ دَاخِلٌ فِيهَا وَمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْهَا وَيُبَيِّنُ لَهُمَا جَمِيعًا ذَلِكَ وَجَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ عَرَفَاهُ وَرَأَيَاهُ عِنْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ الْمُسَمَّاةِ فِي الْكِتَابِ وَقُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ وَأَبُو زَيْدٍ يَكْتُبُ: وَقَدْ نَظَرَ فُلَانٌ - يَعْنِي الْمُشْتَرِيَ - إلَى جَمِيعِ الدَّارِ الْمَحْدُودَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَرَضِيَ بِهَا.

وَمَا قَالَهُ السَّمْتِيُّ أَحْسَنُ وَأَصَحُّ وَمَا قَالَهُ السَّمْتِيُّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا الْمَبِيعَ عِنْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى مَا رَأَى وَلَمْ يَكُنْ مُعَايِنًا لَهُ عِنْدَ الْبَيْعِ بَلْ كَانَ غَائِبًا عَنْهُ لَا يَجُوزُ فَتَحَرَّزْنَا عَنْ قَوْلِهِ وَكَتَبْنَا رُؤْيَتَهُمَا عِنْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ فَأَمَّا رُؤْيَتُهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا لَكِنَّ ذِكْرَهُ لِلتَّأْكِيدِ وَمَا قَالَهُ مِنْ كِتَابَةِ رُؤْيَتِهِمَا جَمِيعَ الدَّارِ بِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا وَمَا فِيهَا مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ دَاخِلٍ فِيهَا وَخَارِجٍ مِنْهَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَإِنَّ مِنْ مَذْهَبِ عُلَمَائِنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا نَظَرَ إلَى خَارِجِ الدَّارِ وَلَمْ يَرَ مَا سِوَى ذَلِكَ يَبْطُلُ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ عَلَى خِيَارِهِ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى جَمِيعِ خَارِجِ الدَّارِ وَإِلَى جَمِيعِ دَاخِلِ الدَّارِ وَإِلَى بَعْضِ أَرْضِهَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ عَلَى خِيَارِهِ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مِنْهَا وَإِلَى سَائِرِ أَرْضِهَا.

وَإِلَى سَائِرِ بِنَائِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْهَا فَتَحَرَّزْنَا عَنْ الِاخْتِلَافِ وَكَتَبْنَا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا تَفَرُّقَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِأَبْدَانِهِمَا وَكَانَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكْتُبُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَعَامَّةُ أَهْلِ الشُّرُوطِ كَانُوا يَكْتُبُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَرُبَّمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ بِأَنْ يَعْتَقِدَا مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَقُولَ أَحَدُهُمَا فَسَخْتُ الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى الْآخَرُ الْإِجَازَةَ فَكَتَبْنَا تَفَرُّقَهُمَا بِأَبْدَانِهِمَا بَعْدَ إنْفَاذِ هَذَا الْبَيْعِ قَطْعًا لِهَذِهِ الْمُنَازَعَةِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الشُّرُوطِ فِي كِتَابَةِ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَأَبُو زَيْدٍ كَانَ يَكْتُبُ: وَتَفَرَّقَا جَمِيعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>