الأكثرون إلى أنه مشتق من القرء وهو الجمع فسمي قرآنا لأنه يجمع السور والآيات بعضها إلى بعض، ويجمع الأحكام والقصص والأمثال والآيات الدالة على وحدانية الله تعالى. قال ابن عباس أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل على محمد صلّى الله عليه وسلّم نجوما في ثلاث وعشرين سنة فذلك قوله:«فلا أقسم بمواقع النجوم» وروى أبو داود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أنزلت صحف إبراهيم في ثلاث ليال مضين من رمضان، وفي رواية في أول ليلة من رمضان وأنزلت توراة موسى في ست ليال مضين من رمضان وأنزل إنجيل عيسى في ثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل زبور داود في ثمان عشرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل الفرقان على محمد صلّى الله عليه وسلّم في الرابعة والعشرين لست بقين بعدها» فعلى هذا يكون ابتداء نزول القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلّم في شهر رمضان، وهو قول ابن إسحاق وأبي سليمان الدمشقي وقيل في معنى الآية شهر رمضان الذي نزل بفرض صيامه القرآن كما تقول نزلت هذه الآية في الصلاة والزكاة ونحو ذلك من الفرائض يروى ذلك عن مجاهد والضحاك وهو اختيار الحسن بن الفضل هُدىً لِلنَّاسِ
يعني من الضلال وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ. فإن قلت هذا فيه إشكال وهو أنه يقال ما معنى قوله: وبينات من الهدى بعد قوله هدى للناس؟ قلت إنه تعالى ذكر أولا أنه هدى ثم الهدى على قسمين: تارة يكون هدى جليا وتارة لا يكون كذلك، فكأنه قال هو هدى في نفسه ثم قال: هو المبين من الهدى الفارق بين الحق والباطل وقيل: إن القرآن هدى في نفسه فكأنه قال: إن القرآن هدى للناس على الإجمال وبينات من الهدى والفرقان على التفصيل، لأن البينات هي الدلالات الواضحات التي تبين الحلال الحرام والحدود والأحكام، ومعنى الفرقان الفارق بين الحق والباطل.
قوله عز وجل: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ أي فمن كان حاضرا مقيما غير مسافر فأدركه الشهر فليصمه والشهود الحضور، وقيل: هو محمول على العادة بمشاهدة الشهر وهي رؤية الهلال ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» أخرجاه في الصحيحين، ولا خلاف أنه يصوم رمضان من رأى الهلال ومن أخبر به واختلف العلماء في وجه الخبر عنه منهم من قال يجزئ فيه خبر الواحد، قاله أبو ثور: ومنهم من أجراه مجرى الشهادة في سائر الحقوق قاله مالك: ومنهم من أجرى أوله مجرى الأخبار فقبل فيه خبر الواحد وأجرى آخره مجرى الشهادة فلا يقبل في آخر أقل من اثنين قاله الشافعي: وهذا للاحتياط في أمر العبادة لدخولها وخروجها وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ إنما كرره لأن الله تعالى ذكر في الآية الأولى تخيير المريض والمسافر والمقيم الصحيح ثم نسخ تخيير المقيم الصحيح بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فلو اقتصر على هذا لاحتمل أن يشمل النسخ الجميع، فأعاد بعد ذكر الناسخ الرخصة للمريض والمسافر ليعلم أن الحكم باق على ما كان عليه.
(فصل في حكم الآية) وفيه مسائل:
الأولى: اختلفوا في المرض المبيح للنظر على ثلاثة أقوال: أحدها وهو قول أهل الظاهر أي مرض كان وهو ما يطلق عليه اسم المرض، فله أن يفطر تنزيلا للفظ المطلق على أقل أحواله، وإليه ذهب الحسن وابن سيرين.
القول الثاني وهو قول الأصم إن هذه الرخصة مختصة بالمريض الذي لو صام، لوقع في مشقة عظيمة تنزيلا للفظ المطلق على أكمل أحواله. القول الثالث وهو قول أكثر الفقهاء إن المرض المبيح للفطر، هو الذي يؤدي إلى ضرر في النفس أو زيادة علة محتملة كالمحموم إذا خاف أنه لو صام اشتدت حماه وصاحب وجع العين يخاف لو صام أن يشتد وجع عينه فالمراد بالمرض، ما يؤثر في تقويته قال الشافعي إذا أجهده الصوم أفطر، وإلّا فهو كالصحيح.