المسألة الثانية: الفطر في السفر مباح، والصوم جائز وبه قال عامة العلماء وقال ابن عباس وأبو هريرة وبعض أهل الظاهر: لا يجوز الصوم في السفر، ومن صام فعليه القضاء واحتجوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم:«ليس من البر الصيام في السفر» وحمله عامة العلماء على من يجهده الصوم في السفر فالأولى له الفطر ويدل على ذلك ما روي عن جابر قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا؟ قالوا صائم قال: ليس من البر الصيام في السفر» أخرجه البخاري ومسلم، وحجة الجمهور على جواز الصوم والفطر في السفر ما روي عن أنس قال:«سافرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم» أخرجاه في الصحيحين.
المسألة الثالثة: اختلف العلماء في قدر السفر المبيح للفطر. فقال داود: الظاهري أي سفر كان ولو كان فرسخا. وقال الأوزاعي: السفر المبيح للفطر مسيرة يوم واحد. وقال الشافعي وأحمد ومالك: أقله مسيرة ستة عشر فرسخا يومان وقال أبو حنيفة وأصحابه أقله مسيرة ثلاثة أيام.
المسألة الرابعة: إذا استهل الشهر وهو مقيم ثم أنشأ السفر في أثنائه جاز له أن يفطر حالة السفر ويجوز له أن يصوم في بعض السفر وأن يفطر في بعضه إن أحب، يدل عليه ما روي عن ابن عباس:«أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس معه، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» أخرجاه في الصحيحين. الكديد اسم موضع وهو على ثمانية وأربعين ميلا من مكة.
المسألة الخامسة: اختلفوا في الأفضل. فذهب الشافعي إلى أن الصوم أفضل من الفطر في السفر، وبه قال مالك وأبو حنيفة وقال أحمد الفطر، أفضل من الصوم في السفر، وقالت طائفة من العلماء: هما سواء، وأفضل الأمرين أيسرهما، لقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.
المسألة السادسة: يبيح الفطر كل سفر مباح ليس سفر معصية ولا يجوز للعاصي بسفره أن يترخص برخص الشرع وقوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ معناه فأفطر فعليه عدة من أيام آخر فظاهر هذا أنه يجوز قضاء الصوم متفرقا وإن كان التتابع أولى، وفيه أيضا وجوب القضاء من غير تعيين لزمن القضاء فيدل على جواز التراخي في القضاء ويدل عليه أيضا ما روي عن عائشة قالت:«كان يكون على الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلّا في شعبان ذاك من الشغل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم» أخرجاه في الصحيحين يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ أي التسهيل في هذه العبادة وهي إباحة الفطر للمسافر والمريض وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ أي وقد نفى عنكم الحرج في أمر الدين قيل: ما خير رجل بين أمرين فاختار أيسرهما إلّا كان ذلك أحب إلى الله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ أي عدد الأيام التي أفطرتم فيها بعذر السفر والمرض والحيض، لتقضوا بعددها وقيل: أراد عدد أيام الشهر (ق) عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له، وفي رواية فأكملوا العدة ثلاثين» وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ فيه قولان أحدهما أنه تكبير ليلة العيد، قال ابن عباس: حق على المسلمين إذا رأوا إهلال شوال أن يكبروا. وقال الشافعي: واجب إظهار التكبير في العيدين، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة: لا يكبر في عيد الفطر ويكبر في عيد الأضحى حجة الشافعي ومن وافقه قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ قالوا: معناه ولتكملوا عدة صوم رمضان ولتكبروا الله على ما هداكم إلى آخر هذه العبادة القول الثاني في معنى قوله لتكبروا الله، أي ولتعظموا الله شكرا على ما أنعم به عليكم ووفقكم للقيام بهذه العبادة عَلى ما هَداكُمْ أي أرشدكم إلى طاعته وإلى ما يرضى به عنكم وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الله على نعمه.