إذا منعه من السفر أو حاجة يريدها وحصره العدو إذا ضيق عليه. وقال الزجاج: الرواية عن أهل اللغة يقال للذي يمنعه الخوف أو المرض أحصر والمحبوس حصر، وقال ابن قتيبة في قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ هو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كسر أو عد ويقال أحصر فهو محصر فإن حبس في دار أو سجن قيل حصر فهو محصور وذهب قوم إلى أنهما بمعنى واحد. قال الزجاج: يقال الرجل من حصرك هنا ومن أحصرك وقال أحمد بن يحيى أصل الحصر والإحصار الحبس وحصر في الحبس أقوى من أحصر وقيل الإحصار يقال في المنع الظاهر كالعدو والمنع الباطن كالمرض والحصر لا يقال إلّا في المنع الباطن وأما قوله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فمحمول على الأمرين وبحسب اختلاف أهل اللغة في معناها اختلف الفقهاء في حكمها فذهب قوم إلى أن كل مانع من عدو أو مرض أو ذهاب نفقة فإنه يبيح له التحلل من إحرامه وهو قول عطاء ومجاهد وقتادة وهو مذهب أبي حنيفة ويدل عليه ما روي عن عكرمة قال حدّثني الحجاج بن عمرو قال قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«من كسر أو عرج فقد حلّ وعليه حجة أخرى» قال عكرمة: فذكرت ذلك لأبي هريرة وابن عباس فقالا: صدق، أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن وذهب قوم إلى أنه لا يباح له التحلل إلّا بحبس العدو وهو قول ابن عمر وابن عباس وأنس وبه قال مالك والليث والشافعي وأحمد وقالوا الحصر والإحصار بمعنى واحد واحتجوا بأن نزول الآية كان في قصة الحديبية في سنة ست وكان ذلك حبسا من جهة العدو لأن كفار مكة منعوا النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من الطواف بالبيت فنزلت هذه الآية فحل النبي صلّى الله عليه وسلّم من عمرته ونحر هديه وقضاها من قابل ويدل عليه أيضا سياق الآية وهو قوله: فَإِذا أَمِنْتُمْ والأمن لا يكون إلّا من خوف وثبت عن ابن عباس أنه قال لا حصر إلّا حصر العدو فثبت بذلك أن المراد من الإحصار هو حصر العدو دون المرض وغيره. وأجيب عن حديث الحجاج بن عمرو بأنه محمول على من شرط التحلل بالمرض ونحوه إحرامه ويدل على جواز الاشتراط في الإحرام ما روي عن ابن عباس أن ضباعة بنت الزبير أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت يا رسول الله إني أريد الحج أفأشترط؟ قال نعم قالت كيف أقول؟ قال قولي لبيك اللهم لبيك محلي من الأرض حيث تحبسني أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. ولغيره أن ضباعة بنت الزبير كانت وجعة فقال لها النبي صلّى الله عليه وسلّم: حجي واشترطي وقولي اللهم محلى حيث حبستني فذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إذا اشترط في الحج فعرض له مرض أو عذر أن يتحلل ويخرج من إحرامه ثم المحصر يتحلل بذبح الهدي وحلق الرأس وهو المراد من قوله تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ومعنى الآية فإن أحصرتم دون تمام الحج أو العمرة فحللتم فعليكم ما استيسر من الهدي والهدي ما يهدى إلى البيت وأعلاه بدنة وأوسطه بقرة وأدناه شاة. قال ابن عباس: شاة لأنه أقرب إلى اليسر، ومحل ذبح هدي المحصر حيث أحصر وإليه ذهب الشافعي لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ذبح الهدي عام الحديبية بها، وذهب أبو حنيفة إلى أنه يقيم على إحرامه ويبعث بهديه إلى الحرم ويواعد من يذبحه هناك ثم يحل في ذلك الوقت.
وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ أي مكانه الذي يجب أن يذبح فيه، وفيه قولان أحدهما أنه الحرم فإن كان حاجا فمحله يوم النحر وإن كان معتمرا فمحله يوم يبلغ هديه إلى الحرم وهو قول أبي حنيفة والقول الثاني محل ذبحه حيث أحصر سواء كان في الحل أو في الحرم، ومعنى محله يعني حيث يحل ذبحه وأكله وهو قول مالك والشافعي وأحمد ويدل عليه ما روي عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت فنحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحلق رأسه، أخرجه البخاري.
قوله عز وجل: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ معناه ولا تحلقوا رؤوسكم في حال الإحرام إلّا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو أذى وهو القمل أو الصداع فَفِدْيَةٌ فيه إضمار تقديره فحلق رأسه فعليه فدية، نزلت هذه الآية في كعب بن عجرة (ق) عن كعب بن عجرة قال: أتى على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أوقد تحت قدر لي والقمل يتناثر على وجهي فقال: أيؤذيك هوام رأسك؟ قال قلت نعم قال فاحلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم