فيه فتور وضعف وانكسار واستدل الشافعي على ما أسكر كثيره فقليله حرام، مما روي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«ما أسكر كثيره فقليله حرام» أخرجه الترمذي وأبو داود. عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام» أخرجه أبو داود والنسائي. وفي رواية له «والحسوة منه حرام» الفرق بالتحريك مكيال يسع تسعة عشر رطلا بالبغدادي، وأجيب عن حديث عمر في الطلاء بأنه معارض بما روي عن السائب يزيد أن عمر قال: وجدت من فلان ريح شراب وزعم أنه شرب الطلاق وأنا سائل عنه فإن كان يسكر جلدته فسأل عنه فقيل له: إنه يسكر فجلده عمر الحد تاما أخرجه مالك في الموطأ. وأما حديث ابن عباس، فموقوف عليه ومعارض بما روي عنه في الباذق، وقوله: والسكر من كل شراب قد رواه الحفاظ السكر بفتح السين. قال صاحب الغريبين: السكر خمر الأعاجم، ويقال لما يسكر السكر وروى هذا الحديث ابن حنبل وقال فيه: والمسكر من كل شراب، وقال موسى بن هارون: وهو الصواب، وأما حديث أبي الأحوص ففيه وهمان: أحدهما في سنده حيث قال: عن أبي بردة، وإنما يرويه سماك عن القاسم عن ابن بريدة عن أبيه والوهم الثاني في متنه حيث قال: اشربوا ولا تسكروا، وإنما يرويه الناس ولا تشربوا مسكرا، ويدل على صحة هذا ما روى مسلم في صحيحه عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا» وقال النسائي: في حديث أبي الأحوص هذا حديث منكر غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم لا يعلم أن أحدا تابعه عليه من أصحاب سماك، وأما حديث عائشة فيه فهو غير ثابت كما تقدم في قول النسائي.
المسألة الثانية: في الحكم بنجاسة الخمر. الخمر وما يلحق بها نجسة العين ويدل على نجاستها قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ والرجس في اللغة النجس والشيء المستقذر وقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ فأمر باجتنابها فكانت نجسة العين ويدل على نجاستها أيضا أنها محرمة التناول لا للاحترام، ولأن الناس مشغوفون بها فينبغي أن يحكم بنجاستها تأكيدا للزجر عنها.
المسألة الثالثة: في تحريم بيعها والانتفاع بها. أجمعت الأمة على تحريم بيع الخمر والانتفاع بها وتحريم ثمنها ويدل على ذلك ما روي عن جابر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول عام فتح مكة: «إن الله تعالى حرم بيع الخمر والانتفاع بها والميتة والخنزير والأصنام» أخرجاه في الصحيحين مع زيادة اللفظ (ق). عن عائشة قالت خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:«حرمت التجارة في الخمر»(ق) عن ابن عباس قال بلغ عمر بن الخطاب أن فلانا باع خمرا فقال قاتل الله فلانا ألم يعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها» عن المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من باع الخمر فليشقص الخنازير» أخرجه أبو داود.
وقوله فليشقص الخنازير أي فليقطعها قطعا قطعا كما تقطع الشاة للبيع والمعنى من استحل بيع الخمر فليستحل بيع الخنازير فإنهما في التحريم سواء. عن أبي طلحة قال يا نبي الله إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري. فقال:
أهرق الخمر واكسر الدنان أخرجه الترمذي. وقال وقد روي عن أنس إن أبا طلحة كان عنده خمر لأيتام وهو أصح. فإن قلت فما وجه قوله تعالى: وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ قلت: منافعها اللذة التي توجد عند شربها والفرح والطرب معها وما كانوا يصيبون من الربح في ثمنها، وذلك قبل التحريم فلما حرمت الخمر حرم ذلك كله.
(فصل) وأما الميسر فهو القمار واشتقاقه من اليسر لأنه أخذ مال بسهولة من غير تعب، وكذا قال ابن عباس كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله فأنزل الله هذه الآية.
وأصل الميسر أن أهل الثروة من العرب في الجاهلية كانوا يشترون جزورا فينحرونها ويجزئونها ثمانية وعشرين