الناقة فأجمعوا على عقرها وكانت امرأتان من ثمود يقال لإحداهما عنيزة بنت غنم بن مخلد وتكنى بأم غنم وكانت عجوزا مسنة وهي امرأة ذؤاب بن عمرو وكانت ذات بنات حسان وذات مال من إبل وبقر وغنم، والمرأة الأخرى يقال لها صدقة بنت المختار وكانت جميلة غنية ذات مواش كثيرة وكانتا من أشد الناس عداوة لصالح عليه الصلاة والسلام وكانتا تحبان عقر الناقة لما أضرت بمواشيهما فتحيلتا في عقر الناقة فدعت صدقة رجلا من ثمود يقال له الحباب لعقر الناقة وعرضت عليه نفسها إن هو فعل فأبى عليها فدعت ابن عم لها يقال لها مصدع بن مهزج بن المحيا وجعلت له نفسها على أن يعقر الناقة وكانت من أحسن الناس وجها وأكثرهم مالا فأجابها إلى إلى ذلك ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف
وكان رجلا أحمر أزرق قصيرا ويزعمون أنه كان ابن زانية ولم يكن لسالف ولكنه ولد على فراشه فقالت عنيزة لقدار أي بناتي شئت أعطيتك على أن تعقر الناقة وكان قدار عزيزا منيعا في قومه (ق).
عن عبد الله بن زمعة رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا انبعث أشقاها انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة» قوله انبعث أي قام بسرعة والعارم الخبيث الشرير والعرامة الشدة والقوة والشراسة والمنيع الممتنع ممن أراده. قال أصحاب الأخبار:
فانطلق قدار بن سالف ومصدع بن مهزج، فاستنفروا غواة ثمود فاتبعهم سبعة نفر فكانوا تسعة رهط فانطلق قدار ومصدع وأصحابهما فرصدوا الناقة حتى صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقها وكمن لها مصدع في أصل صخرة أخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم في عضلة ساقها فخرجت أم غنم عنيزة وأمرت ابنتها فسفرت عن وجهها وكانت من أحسن الناس وجها ليراها قدار ثم حثته على عقرها وأغرته فشد قدار على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرجت ورغت رغاة واحدة فتحذر سقبها من الجبل ثم طعن قدار في لبتها فنحرها فخرج أهل البلد فاقتسموا لحمها فلما رأى سقبها ذلك انطلق هاربا حتى أتى جبلا منيعا يقال له صور وقيل قارة وأتى صالح عليه الصلاة والسلام فقيل له أدرك الناقة فقد عقرت فأقبل نحوها وخرج أهل البلد يتلقونه ويعتذرون إليه ويقولون يا نبي الله إنما عقرها فلان ولا ذنب لنا فقال صالح انظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا في طلبه فرأوه على الجبل فذهبوا ليأخذوه فأوحى الله تعالى إلى الجبل أن تطاول فتطاول حتى ما تناله الطير وجاء صالح عليه السلام فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم رغا ثلاثا ثم انفجرت الصخرة فدخلها فقال صالح لكل رغوة أجل يوم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب وقال ابن إسحاق تبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة وفيهم مصدع بن مهزج وأخوه ذؤاب فرماه مصدع بسهم فأصاب قلبه ثم جذبه فأنزله وألقوا لحمه مع لحم أمه وقال لهم صالح عليه الصلاة والسلام: انتهكتم حرمة الله فأبشروا بعذاب الله ونقمته قالوا وهم يهزئون به: ومتى ذلك يا صالح وما آية ذلك؟
وكانوا يسمون الأيام في ذلك الوقت الأحد أول والاثنين أهون والثلاثاء دبار والأربعاء جبار والخميس مؤنس والجمعة العروبة والسبت شبار وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح عليه الصلاة والسلام حين قالوا ذلك: تصبحون غدا يوم مؤنس ووجوهكم مصفرة، ثم تصبحون يوم العروبة ووجوهكم محمّرة، ثم تصبحون يوم شبار ووجوهكم مسودة ثم يصبحكم العذاب يوم أول فلما قال لهم صالح ذلك قال التسعة الذين عقروا الناقة: هلموا فلنقتل صالحا فإن كان صادقا عجلناه قبلنا وإن كان كاذبا كنا قد ألحقناه بناقته فأتوه ليلا ليقتلوه في أهله فدمغتهم الملائكة بالحجارة فلما أبطئوا على أصحابهم أتوا منزل صالح عليه الصلاة والسلام فوجدوهم وقد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح أنت قتلتهم ثم هموا به فقامت عشيرته دونه وقالوا لا تقتلوه أبدا فإنه قد وعدكم العذاب أنه نازل بكم بعد ثلاث فإن كان صادقا لم تزيدوا ربكم إلا غضبا عليكم وإن كان كاذبا فأنتم وراء ما تريدون فانصرفوا عنه تلك الليلة فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرة كأنما طليت بالخلوق صغيرهم