وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم فأيقنوا بالعذاب وعرفوا أن صالحا قد صدقهم فيما قال فطلبوه ليقتلوه فهرب منهم ولحق بحي من بطون ثمود يقال لهم بنو غنم فنزل على سيدهم واسمه نفيل ويكنى بأبي هدب وهو مشرك فمنع صالحا فلم يقدروا عليه وكانوا عمدوا إلى أصحاب صالح ليدلوهم عليه فقال رجل من أصحاب صالح يقال له مبدع بن هرم: يا نبي الله إنهم يعذبونا لندلهم عليك أفندلهم عليك؟ قال: نعم. فدلوهم عليه فأتوا أبو هدب فكلموه في أمر صالح فقال هو عندي وليس لكم إليه سبيل فأعرضوا عنه وتركوه وشغلهم ما نزل بهم من العذاب فجعل بعضهم يخبر بعضا بما يرون في وجوههم فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل فلما أصبحوا في اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدم فصاحوا وضجوا وبكوا وأيقنوا أنه العذاب فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا في اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار فصاحوا جميعا ألا قد حضركم العذاب فلما كانت ليلة الأحد خرج صالح عليه الصلاة والسلام ومن أسلم معه من بين أظهرهم إلى الشام فنزل رملة فلسطين فلما أصبحوا في اليوم الرابع تكفنوا وتحنطوا وألقوا بأنفسهم إلى الأرض يقلّبون أبصارهم إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة لا يدرون من أين يأتيهم العذاب فلما اشتد الضحى من يوم الأحد أتتهم صيحة عظيمة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوت في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم وهلكوا جميعا إلا جارية مقعدة يقال لها ذريعة بنت سالف وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح عليه الصلاة والسلام فأطلق الله تعالى رجليها بعد ما عاينت العذاب وما أصاب ثمود فخرجت مسرعة حتى أتت وادي القرى فأخبرتهم بما عاينت من العذاب الذي بثمود ثم استقت ماء فسقيت فلما شربت ماتت في الحال. وذكر السدي في عقر الناقة فقال: أوحى الله عز وجل إلى صالح عليه والسلام إن قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم ذلك صالح فقالوا ما كنا لنفعل فقال صالح إنه سيولد في شهركم هذا غلام يعقرها فيكون هلاككم على يديه فقالوا لا يولد لنا في هذا الشهر ولد إلا قتلناه قال فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر أولاد فذبحوهم ثم ولد للعاشر ولد فأبى أن يذبحه لأنه كان لم يولد له قبل ذلك ولد وكان الولد الذي ولد له أحمر أزرق فنبت نباتا سريعا فكان إذا مر بالتسعة فرأوه، قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء لكانوا مثل هذا الغلام فغضب التسعة على صالح لأنه كان سبب قتل أبنائهم فتقاسموا بالله يعني فتحالفوا بالله لنبيتنه وأهله وقالوا نخرج فنرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر فنأتي الغار فنكون فيه حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى مسجده أتيناه فقتلناه ثم نرجع إلى الغار فنكون فيه حتى ننصرف إلى رحلنا فنقول ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون فيصدقوننا فيظنون أنا قد خرجنا إلى سفر وكان صالح لا ينام معهم في القرية بل كان يبيت في مسجد له خارج القرية فإذا أصبح أتاهم فيعظهم ويذكرهم فإذا أمسى خرج إلى مسجده فيتعبد فيه قال فانطلق التسعة إلى الغار فدخلوا فسقط عليهم فقتلوا فانطلق رجال ممن كان قد اطلع على أمرهم لينظروا ما فعل أولئك النفر فرأوهم
وهم رضخ فرجعوا إلى القرية يصيحون ما رضي صالح بقتل أولادهم حتى قتلهم فاجتمع أهل القرية على عقر الناقة. وقال ابن إسحاق: كان التسعة قد تقاسموا على تبييت صالح بعد عقر الناقة، وقال السدي وغيره: لما ولد للعاشر ولد سماه بقدار فكان يشب سريعا فلما كبر جلس مع أناس يشربون الخمر فأرادوا ماء ليمزجوا به شرابهم وكان ذلك اليوم يوم شرب الناقة فوجدوا الماء قد شربته الناقة فاشتد ذلك عليهم وقالوا ما نصنع نحن بلبن هذه الناقة ولو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه الناقة فنسقيه لأنعامنا وزروعنا كان خيرا لنا، وقال ابن العاشر: هل لكم أن أعقرها لكم قالوا نعم فعقرها (ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادي» وفي رواية لمسلم: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين ثم ذكر مثله ولهما عنه أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهرقوا ما استقوه