على عظم قدرها وأنها من أعظم العبادات بعد الإيمان بالله وبرسوله إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ قوله عز وجل: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ يعني واذكر يا محمد إذ قلعنا الجبل فرفعناه فوق بني إسرائيل كأنه ظلة يعني جعلناه فوقهم كالظلة والظلة كل ما علا الإنسان كالسقف ونحوه وَظَنُّوا أي علموا وأيقنوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ يعني الجبل خُذُوا يعني وقلنا لهم خذوا وإضمار القول كثير في القرآن وكلام العرب ما آتَيْناكُمْ يعني التوراة بِقُوَّةٍ يعني بجد واجتهاد وَاذْكُرُوا ما فِيهِ يعني واعملوا بما فيه من الأحكام لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ قال أصحاب الأخبار: إن بني إسرائيل لما أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لما فيها من التكاليف الشاقة أمر الله عز وجل جبريل فرفع جبلا عظيما حتى صار على رؤوسهم كالظلة فلما نظروا إلى الجبل فوق رؤوسهم خرّوا ساجدين فسجد كل واحد منهم على خده وحاجبه الأيسر وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفا أن يسقط عليه ولذلك لا تسجد اليهود إلا على شق وجوههم الأيسر قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى الآية عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن قوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الآية قال سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله سبحانه وتعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله النار» أخرجه مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي، وقال حديث حسن ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وعمر رجلا. قلت ذكر الطبري في بعض طرق هذا الحديث الرجل فقال عن مسلم بن يسار عن يعمر بن ربيعة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما خلق الله سبحانه وتعالى آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل إنسان وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال أي رب من هؤلاء قال هؤلاء ذريتك فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال يا رب من هذا قال داود قال رب كم جعلت عمره قال ستين سنة قال يا رب زده من عمري أربعين سنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انقضى عمر آدم إلا أربعين جاءه ملك الموت فقال آدم أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال أو لم تعطها ابنك داود؟ فجحد آدم فجحد ذريته ونسي آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذريته وخطئ فخطئت ذريته» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وأما تفسير الآية فقوله سبحانه وتعالى: وإذ أخذ ربك، يعني واذكر يا محمد إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم يعني من ظهور بني آدم وإنما لم يذكر ظهر آدم وإن كان الله سبحانه وتعالى أخرج جميع الذرية من ظهره لأن الله تعالى أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهر بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء فلذلك قال سبحانه وتعالى من بني آدم من ظهورهم فاستغنى عن ذكر ظهر آدم عليه السلام لما علم أنهم كلهم بنو آدم وأخرجوا من ظهره فترك ذكر ظهر آدم استغناء.
ثم للعلماء في تفسير هذه الآية مذهبان: أحدهما وهو مذهب أهل التفسير والأثر وظاهر ما جاءت به الروايات عن السلف فيما روي عن ابن عباس من طرق كثيرة وروايات مختلفة رواها عنه الطبري بأسانيد، فمنها عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا وقال ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا أن يقولوا يوم