قوله: الظاعنينْ ولما يظعنوا أحدا، يريد أنهم إذا رحلوا لم يتبعهم حليفْ ولا مولى. يعني أنهم لا يحالفهم أحد، ولا يدخل في جملتهم ليعزيهم لأنهم لا نصرة عندهم. ويجوز أن يريد أنهم إذا ظعنوا من مكانهمْ وكرهوه، لم يستبدلوا به مكانا فيه قوم غيرهم فيزعجوهم عنه، لأنهم لا قدرة لهم على تحويل أحد من مكانه. والقائلين: لمن دار يمكننا أن ننزلها، فأنا نخلي الدار التي نحن فيها.
[في النعت]
قال سيبويه في الصفات، قال ابن أحمر:
خلدَ الجبيبُ وبادَ حاضرُهُ ... إلا منازلَ كلها قفرُ
(وَلهَتْ عليه كلُّ معصفةٍ ... هوجاءُ ليس للبهازَبْرُ)
الشاهد أنه جعل (هوجاء) نعتا لـ (كل).
والجُبيب موضع بعينه، خلد: أقام. يريد أنه بقيْ وذهب من كان يسكنهْ و (منازل) منصوب على الاستثناءْ و (كلها قفر) وصف لهْ والمعصفة: الريح الشديدة الهبوب، والهوجاء: التي كأنّ بها هوجا في اندفاعهاْ وشدة إسراعهاْ وإثارتها الترابْ وقوله: ولهت عليه يعني أن الرياح حنتْ وصوتت في هبوبها على هذا الموضع الذي هو الجبيب كما تحن الناقة الوالهة التي فقدت ولدها.
وقوله: ليس للبهازبر، اللب: العقل، والزبر: إحكام الشيء، مأخوذ من قولهم: زبرت البئر إذا طويتها بالحجارة. يريد أنه لا عقل لها، والريح لا يكون لها عقلْ. وهذا على طريق المثل.