قوله تعالى: {مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا ... }.
قيل/ لابن عرفة: هل هذا ترق بدأوا بالبقل ثم بالفوم وهو القمح؟
فقال: (بعيد) لقوله «وبصلها» فهو في هذا تدلٍّ.
قوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ ... }.
قال ابن عرفة: كان الشيخ أبو عبد الله بن سلام يقول: إن هؤلاء لم يطلبوا ذلك بدلا من طعامهم بل زيادة عليه لقولهم: {لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ} ولم يقولوا: لن نحب هذا الطعام فكيف أنكر عليهم استبداله؟
قال: وتقدم الجواب عنه بأنهم إذا أكلوا من الطّعام الذي طلبوه فإنه ينقص أكلهم من الطّعام الأول بقدر ما أكلوا من هذا فقد حصلت لهم (المبادلة) في ذلك المقدار فمن كان يأكل رطلا من المنّ
والسلوى قبل ذلك يصير الآن يأكل (منه) نصف رطل أو أقل. نعم إنهم (يجتمعون) في ملك واحد. وحَوْز واحد ولا يجتمع ذلك في (بطن) واحد إلاّ على الصفة التي ذكرنا.
قيل لابن عرفة: قد (لا) يأكل الإنسان من (الخبز) والإدام، والخبز أكثر (مما) يأكل من كل (واحد) منها على انفراده؟
فقال: وكذلك (أيضا) يأكل من العسل إذا (عقد) وصنع (خبيصا أو نحوه) كثيرا.
قيل لابن عرفة: أو يجاب بأنهم طلبوا النقلة من ذلك الموضع (إلى موضع ينبت فيه البقل والقثاء والفوم وما قام الدليل على أن ذلك الموضع) المنتقل إليه ينزل عليهم فيه المن والسلوى وكأنهم طلبوا الاستبدال.
فقال (ابن عرفة): هذا صحيح لو كان (هذا) من كلامهم لأن {اهبطوا مِصْراً} من كلام موسى عليه السلام عن الله تعالى، فالذم إنما هو على طلبهم الاستبدال وطلب (الاستبدال) ليس من كلامهم. ((بل (من) دلالة الحال والأمر العادي)) فهو لازم قولهم، لأن تلك الأرض لم تجر العادة بإنباتها تلك الأشياء (فطلبهم تلك الأشياء) يستلزم طلبهم النقلة منها إلى أرض تُنبِتُها ولا ينزل فيه المن والسلوى. والذم إنما هو على سؤالهم.
قيل لابن عرفة: هذا كله على تسليم السؤال، ولنا أن نمنعه ونقول: إن سؤالهم ليس بنصّ في أنهم طلبوا الزيادة بل (هو) ظاهر في ذلك فقط؟
والجواب (أنهم لهم) نص في طلبهم الاستبدال وإنما عبّروا عنه بلفظة محتملة احتمالا مرجوحا، وربما ينافيه.
ومعنى كلامهم: لن نصبر على هذا الطعام لأنه طعام واحد بل نرجع إلى أطعمتنا المعتادة المتعودة.
فقال ابن عرفة: هذا هو الحق والله أعلم.
قوله تعالى: {الذي هُوَ أدنى ... }.
سماه «أَدْنَى» لكونه يأتيهم بعد تكليف ومشقة، والمنّ والسلوى ينزل عليهم بلا كلفة، (أو) أنه حلال محض أو بأنه ألذّ وأطيب، أو أنه الذي أمرهم الله به ففي أكله الشكر عليه نعمة وأجر.
قلت لشيخنا ابن عرفة: مساق الآية يقتضي أنه فيه دناءة قليلة مع أنه خير كله؟
فقال: لا يريد الذي هو أدنى من طعامكم (هذا، بل يريد الذي هو أدنى) بالإطلاق فليس في المن والسلوى دناءة.
قال القرطبي: يؤخذ من الآية تفضيل المستلذات الدنيوية، وأنها مباحة راجحة ليس فيها