قيل لابن عرفة: والغضب إن كن صفة فعل فالتعدد فيه متصور صحيح وإن كان صفة معنى امتنع فيه التعدد، لأنه في (هذه الحالة يصير) راجعا إلى الإرادة، وهي شيء واحد، فكيف يفهم أنهما غضبان؟ ثم أجاب بأنّهما متغايران باعتبار المتعلق، فمتعلّق الإرادة متعددة، وهو (أنواع) العذاب، فالمعنى على الأول: فباؤوا بعذاب على عذاب. وعلى الثاني: فباؤوا بإرادة عذاب على عذاب.
وأوقع الظاهر موقع المضمر في قوله {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} ولم يقل: ولهم عذاب مهين، مبالغة في إسناد العذاب على كل من اتصف بالكفر بالإطلاق.
قوله تعالى:{وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ ... }
إما معطوف على «قَالُواْ نُؤْمِنُ» فيكون جوابا لِ «إذا»، أي إِذَا قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله يكفرون بما وراء كتابهم، وإما حال مع أن المضارع لا يأتي حالا بالواو إلا قليلا، لكنه هنا على إضمار المبتدإ أي وهم يكفرون بما وراءه.
أخبر الله عن تناقضهم بأن إيمانهم بكتابهم يستلزم إيمانهم بما سواه من الكتب التي من جملتها القرآن، وكفرهم بالقرآن يستلزم كفرهم بكتابهم المنزل عليهم، لأنّ الكتب كلّها يصدق بعضها بعضا.
قوله تعالى:{وَهُوَ الحق مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ ... }
أبو حيان «مُصَدِّقاً» حال مؤكدة.
قال ابن عرفة: بل هي مبنية، لأن الحقّ قد يكون مصدقا لما معهم، وقد لا يكون مصدقا ولا مكذبا، لأن النّبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ أتى بشرائع بعضها في كتابهم، وبعضها ليس موجودا في كتابهم (بوجه)، فكتابنا حق (ومصدق لما في كتابهم)(بالنسبة إلى ما تكرر في الكتابين)، وليس بمصدق أو مكذب بالنسبة إلى ما زاد به على كتابهم، وأما أنه مكذب فَلاَ لأن كلا الكتابين حق، فليس من لوازم كون القرآن حقا يصدق ما معهم إنّما من لوازمه أنْ لا يكذبه لأن الحق لا يكذب الحق.
قوله تعالى:{وَلَقَدْ جَآءَكُم موسى بالبينات ... }
إن قلت: لِم أقسم على مجِيئه لهم بالبينات، وهم موافقون عليه. وإنما يتوهم مخالفتهم في اتخاذهم العجل فقط؟ فهلاَ قيل: ولقد اتخذتم العجل من بعد ما جَاءكم موسى بالبينات؟
فالجواب: أنه ظهرت عليه مخائل الإنكار لمجيئه لهم بالبيّنات بسبب اتخاذهم العجل، فلذلك عطفه عليه (بيانا لسببه) الموجب للقسم.