قال ابن عرفة: تقدم لنا فيها تمسك للمعتزلة بأن السيئات لفظ عام يتناول الكفر وسائر المعاصي، فقوله تعالى:(تَابُوا). راجع إلى التوبة مما سوى الكفر، وقوله تعالى:(وَآمَنُوا). راجع إلى التوبة مما سوى الكفر من المعاصي فكان تأسيسا، وعلى مذهب أهل السنة يكون تأكيدا، قال: وأجيب بأن الشيء في نفسه ليس هو كغيره، فقوله (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ). متصفون بالإيمان مع السيئات، وقوله (ثُمَّ تَابُوا). أي: تابوا مع تحصيلهم الإيمان، وقوله (وَآمَنُوا). أي: آمنوا إيمانا خالصا لَا يشوبه عمل سيئ بوجه، فلذلك كرره، قال: وتقدمنا سؤال وهو لأي شيء لم يقل: والذين أساءوا، كما قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) أو كان يقول: من عمل صالحا فلنفسه ومن عمل سيئا فعليها، قال: وتقدم الجواب بأن التقبيح تارة يرجع إلى المفعول، كما تقول: تأكل مال اليتيم ظلما، وتارة يرجع إلى الفعل، كما تقول: كيف تأكل بشمالك.
وتقبيح المفعول يستلزم تقبيح الفعل ولا ينعكس، فقوله تعالى:(وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا). تعيين الأعم فيتناول الأخص من باب أحرى لأنه إذا كان عليها مطلق إساءة فأحرى ما فوقها، وهنا عبر بالأخص فيستلزم الأعم لأنه إذا كان غفورا رحيما لمن مات بعد اتصافه بأخص القبيح؛ فأحرى أن يغفر لمن تاب بعد اتصافه بما دونه في القبيح.
قوله تعالى:(ثُمَّ تَابُوا مِن بَعدِهَا).
قلت: وتقدم لنا في الختمة الأخرى أن العطف هنا [بـ (ثُمَّ) *] لأجل أن من تاب [فإن اقتراته*] بالمعصية أخف ممن تاب بعدما تمالأ عليها وأصر عليها؛ فأتى بـ ثم ليفيد أن توبة هذا الثاني مقبولة فأحرى الأول، وقوله (مِن بَعدِهَا). أتى به رفعا للمجاز؛ لأنه يحتمل أن يكون تابوا بعدما عملوا [أو سعوا وهموا بفعلها*].