المقصود بالإسناد هنا المعطوف، فهو من باب [أعجبتني*] الجارية حسنها، لأن الله تعالى غني عن نصرتهم، وصرح باسم الجلالة تشريفا للطاعة، وصرح باسم الجلالة تهييجا عليها.
قوله تعالى:(أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
ابن عطية: في أقوالهم وأفعالهم، انتهى، هذا موافق لقول ابن التلمساني: أن الصدق هو مطلق المطابقة، لأنه مطابقة الخبر للمخبر عنه، ووقع التأكيد في هذه الجملة بأمور: الحصر، وكون الموضوع اسم إشارة، والفصل بالضمير، وكون الخبر اسما [وعلى الثبوت*].
إما أن المراد تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان، وجعلوا الإيمان مستقراً ومتوطنا لهم لتمكنهم منه [واستقامتهم عليه*]، كما جعلوا المدينة كذلك، فيكون التبوء على هذا مجازا، فهو في الدار على أصله، [وفي*] الإيمان معنوي، فيضعف هذا من وجهين:
أحدهما: أن فيه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، أعني لفظ التبوء.
الثاني: أنه حصل ملازمتهم للإيمان كملازمة المكان لهم، فلو أراد المكان المطلق لحسن التشبيه هنا، إنما وقع التشبيه على مكان معين، فلا يحسن التشبيه، لأنه لا يلازمهم عقلا، إذ لو أريد التبوء في مطلق مكان، لقلنا: إنه يلزمه الإيمان عقلا، وقيل: هو من عطف الصفات أي تبوء الدار، ودار الإيمان لأنها دار واحدة، [وصفها*] أولا بكونها الدار المعهودة، وثانيا: بأنها دار الإيمان.
قوله تعالى:(مِنْ قَبْلِهِمْ).
قال الزمخشري: من قبل المهاجرين، واستشعر أن يورد عليه أن إيمان المهاجرين سابق، فأجاب: بأن المجموع، وهو التبوء، والإيمان سابق على إيمان المهاجرين وتبوؤهم، فالمجموع سابق على المجموع، وهو نحو ما أجاب به ابن التلمساني عن قول القاضي عبد الوهاب في تعريفه للقياس: هو حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما، فأورد عليه لزوم كون حكم الأصل مثبتا بالقياس، [فيرد*] بأن المراد ثبوت المجموع، ويرد على هذا الجواب هنا أن المجموع المركب إنما يتم بآخر جزء منه، فما حصل لهم وصفا [ليس*] بأول التبوء بل بآخره، وهو بعد إيمان من آمن، وذلك متأخر عن إيمان المهاجرين، وجوابه: أن على كل تقدير متقدم على