أنه إن قصد الضرر ترد الوصية؛ لأن في كتاب الوصايا من المدونة ما نصه، وإذا أوصى بثلثه لوارث، وقال: فإن لم يجزه باقي الورثة فهو في السبيل لم يجز ذلك! وهو من باب الضرر وكذا لو أوصى لوارث بعبد، وقال: إن لم يجيزوا فهو حر فإنها تبطل ويورث، ولو قال عبدي حر وفي سبيل الله، أو قال: داري وفرسي في السبيل إلا أن يشاء ورثتي أن ينفذوا ذلك لابني، فذلك صحيح على إوصائه فحاصله التفريق بين تقديمه الورثة أو الأجنبي فإن قدم الوارث في لفظه كان قرينة في إرادة الضرر فتبطل الوصية كلها.
قوله تعالى:(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).
أي (عَلِيمٌ) بمن يوفي بما أمر به (حَلِيمٌ) عمن خالف وعصى فلا يعاجل بالعقوبة.
قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ... (١٣)}
قال ابن عرفة: الظاهر أن (تِلْكَ) مبتدأ، و (حُدُودُ) خبر لوجهين:
أحدهما: أن الحدود أضيفت إلى اسم الله تعالى تعظيما له في الجزاء المستفاد من الجملة.
الثاني: أن حدود أعم من المبتدأ، قال: وفي لفظ الحدود إشارة إلى أن تأكيد الأمر يتوقى الشبهات كلها، وأن المكلف ينبغي له الأخذ بالاحتياط، وأن يحمل أوامر الشرع كلها على الوجوب ونواهيه على التحريم، قال: وفيها سؤال وهو لم خصص الحدود بالله دون رسوله مع أنها أيضا حدود رسوله؟ ثم قال:(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ) فأسند الطاعة لهما، قال: والجواب أن الرسول هو مبلغ عن الله تعالى إذ لا معرفة لهما إلى حدود الله إلا من جهة رسله فكونها من جهة الرسول معلوم لنا بالمشاهدة والعيان فالإعلام بذلك من باب تحصيل الحاصل وإضافتها إليه يستلزم إضافتها إلى رسوله، بخلاف الطاعة فإنها قد تفهم مفردة في حق الله تعالى دون رسوله، فقرنت طاعة الرسول بطاعة الله تعالى تشريفا له كما جعلت طاعة الرسول طاعة الله عز وجل، قال تعالى:(مَنْ يُطِعِ الرسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ).
قوله تعالى:(يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ).
إن قلت: هلا قيل: ومن يطع الله ورسوله ولم يتعد حدوده كما قال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) قلت: اكتفاء بقوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ