(مِنْ قَبْلُ)، قلت: أما إذا كانت ظاهرة فيصح التصريح، بخلاف الظاهر فلا تناقض أو تقول: إنها ليست للترتيب، وذكر القبلية ليعلم إذ لَا يعلم ذلك عقلا والتاريخ فما اشتمل عليه القرآن العظيم.
برهان ودليل بعد الوعظ والتخويف، فإن قلت: لم أفرد السماء والمناسب باعتبار الفهم الجمع؛ لأنه إذا كان خلق السماوات بقوة فأحرى السماء الواحدة، قلت: الآية إنما سيقت لبيان أن الله تعالى خلق السماوات والأرض، وأن ذلك دليل على كمال اتصافه بالقدرة والقوة الشديدة، فإذا كان خلق السماء الواحدة دليل على اتصافه بالقوة الشديدة، فأحرى أن يدل على ذلك خلق السماوات كلها، وقرئ برفعِ السماء والواو على ذلك [واو*] الحال لَا عاطفة، كما قال سيبويه في قوله تعالى:(وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) والمعنى أن قوم نوح أهلكوا حالة وجود الدليل الدال على كمال قدرة الله تعالى وشدة بطشه.
ووقع في كلام القاضي الباقلاني ما يدل على أن السماء [كورية*]، لأنه لما دخل بلاد الروم رسولا عن الملك ناظره بعض النصارى، فقال له: كيف تزعمون أن القمر انشَّق لنبيكم ودخل نصفه تحت الأرض وبقي نصفه في السماء لو كان كذلك لرآه كل أفق؟ فقال له القاضي: يلزمكم هذا في المائدة التي نزلت على نبيكم هل انفردتم برؤيتها أو رآها جميع أهل الأرض، فانقطع الرومي، فقال له القاضي أبو بكر: الجواب: ما قلته أنك كما تشاهد كسوف الشمس والقمر في قطر دون قطر، وفي موضع صلاة الظهر وفي آخر وقت صلاة العصر، وكذلك يتصور اختصاص رؤية انشقاق بقطر دون قطر، انتهى. وهذا إنما يتم له على أن السماء [كورية*] وكذا الأرض، وأقوى أدلة المنجمين على أنها [كورية*] اختلاف أزمان الكسوف في الأقطار، [فتكسف*] الشمس عند باب تونس مثلا في أول النهار وفي أقصى المغرب بعد مضي ساعتين أو ثلاثا، ولو كانت بسيطة لزم استواء الجميع في وقت رؤية الكسوف، والأرض أصلها [كورية*] لكن [تتحدب*] بأشياء وضعت على أجنابها كما تؤخذ الكرة فتصير مثمنة أو مربعة فتتحدب.