فيه رد على من يقول: بجواز أن يرد في القرآن ما لَا يفهم.
قوله تعالى:(لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ)، فإن قلت: فيه دليل على أن العقل ليس معلوم ضرورة، فمن يجهل ذلك فإنه غير عاقل خلاف قول أبي المعالي: قلت: ليس مراد أبي المعالي العقل الذي يقع به التمييز، وهو شرط في التكليف، لأنه محصل للعلم ضرورة، وإنَّمَا مراده العقل الشرعي الجعلي النافع.
وجه مناسبتها لما قبلها، أنه لما قدم ذكر [الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ*]، وما أعد الله لهم من الأجر، دلت هذه الآية على أن من دونهم ينال أجرا عظيما قريبا من أجرهم، ففيها إرجاء وإطماع لسائر المؤمنين، إن أريد إيمان خاص فيكون هؤلاء أعلى منهم منزلة، والصدِّيق في اللغة يقتضي أن المراد الذين صدقوا بالله تصديقا بعد تصديق، وليس المراد هنا بالصدِّيق ما يقوله المتصوفة من أنه أدنى رتبة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن ذلك اصطلاح وليس بلغة، وهذا موافق لما يقول المنطقيون: من أن التصديق راجع للجمع، والتصور للمفردات، فإذا قال الإنسان في نفسه العالم حادث فهو عندهم تصديق [لَا تصور*]، وإن لم ينطق به؛ ولذلك اعتقدوا الإيمان بالله ورسوله، وعبدوه تصديقا؛ لكن هذا راجع لما يخبر به الرسول، وهو أمر مسموع، فهو تصديق للخبر، لأنه راجع [لحديث النفس*]، ابن عطية: والصديقون باب لغة الصدق، أو التصديق وفعيل لَا يكون إلا من فعل ثلاثي، وأشار بعضهم إلى [مجيئه*] من غير الثلاثي، وقال: مسك من أمسك، وأقول أنه يقال: مسك، وفي هذا نظر، انتهى، النظر الذي هو فيه أنه يقال: مسك ولم [يذكره*] الجوهري في الصحاح وإنَّمَا ذكر أمسك، وانتقد ابن مكي: في تثقيف اللسان على الأطباء قولهم: القوة الماسكة، قال: إنما القوة الممسكة من أمسك فدل على أنه لَا يقال: أمسك عند ربهم أن رجع إلى المبتدأ، فالمراد في حكم ربهم، وإن رجع لما بعد، فالمراد لهم أجرهم عند ربهم حقيقة، وإضافة الأجر إليهم تعظيم لهم، وقال قيل:(وَلَهُم أَجْرٌ كَرِيمٌ)، فاكتفى هنا بوصفه هناك، فسر الزمخشري الآية بقوله (أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ)، فسوى بينهما في الأجر ولأنه من الالتفات، فأجاب: بأن أجر المؤمنين مضاعف مساو لأجر أولئك غير [مضاعف*]، انتهى، ولا يحتاج إلى هذا لأن المماثلة تكون في النوع، وفي