لا مدخل له في التبليغ ثم أوحي إليه بعده أنه لا ينسل.
قلت: (وكذا تأوله ابن رشد في كتاب الجامع الثالث من البيان. ونظير هذا نزوله عليه السلام على مياه بدر، وأمره لهم بترك تذكير النّخل فلم يثمر ذلك العام إلا يسيرا فقال لهم عليه الصّلاة والسلام: «إذا أخبرتكم برأي من أمور دنياكم فإنما أنا بشر وأنتم أعلم بدنياكم».
(قلت): وخرّج مسلم في كتاب الصيد والذبائح عن جابر ابن عبد الله قال: أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بضب فأبى أن يأكل منه وقال: «لا أدري لعله من القرون التي مسخت».
وخرج أيضا عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: «قال: رجل يا رسول الله إنّا بأرض مضبة فما تأمرنا؟ قال: ذكر لنا أن أمة من بني إسرائيل مسخت» (فلم يأمر ولم ينه). وفي رواية «غضب: الله على (سبط) من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض: فلا أدري لعل هذا منها، (فلست) آكلها ولا أنهى عنها».
قال ابن عرفة: فإن قلت: يعارض حديث مسلم، أي هذا الحديث لأنه أفاد بأن (الممسوخ) لا يعيش أكثر من ثلاثة (أيام)؟ فيجاب بأن مراده في الضب أنه مثل المسخ.
قيل لابن عرفة: (مثل المسخ) كونه شبيها لا يوجب تحريمه؟ فقال: حرمه لأنه مسخت أمة على صفته (فلولا أنه مستقبح مستكره عند الله لما مسخت تلك الأمة على صفته).
فقيل له: أو يكون هذا الكلام منه قبل أن يوحى إليه لحديث: أن (الممسوخ) لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام والضبّ (حيوان) يشبه الحرضون إلا أن لونه أسود وسيره غير مسرع يكون في الصحاري.
قلت: وخرج مسلم في آخر كتاب القدر عن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال رجل: يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ؟ فقال/ النّبي صلى الله عليه وسلّم: «إن الله عَزَّ وَجَلَّ (لم) يهلك قوما ويعذب قوما فيجعل لهم نسلا، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك».
(ذكره في باب ضرب الآجال وقسم الأرزاق، انتهى).
وهذا إنذار للموجودين (حين) نزول الآية. أي القوم المتقدمون منكم عوقبوا مع أنهم مؤمنون بعيسى عليه السلام، ومعصيتهم إنما كانت في الفروع، وأنتم كافرون فمعصيتكم أشد وعقوبتكم أشد.
وجعل ابن التلمساني شارح المعالم صيغة أفعل هنا للتكوين كما قال ابن عطية.
قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا ... }
ابن عطية: المراد إما جعلنا العقوبة أو المسخة أو الأمة الممسوخة أو القردة أو القرية، وقيل: أو الحيتان وفيه بُعْدٌ.
قوله تعالى: {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ... }.
ابن عطية: عن السدي قيل: لما قبلها من ذنوب القوم وما بعدها من يذنب بعد ذلك (مثل تلك الذنوب). وقيل: لما بين يديها أي لما قبلها من الأمم، وما خلفها أي لما بعدها من الأمم، لأن (مسختهم) ذكرت في كتب من تقدمهم من الأمم، وعلموا بها فاعتبروا وانزجروا.
قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ... }
قال ابن عرفة: هذا الأمر (على الوجوب) على تقدير عدم العفو من أولياء القتيل لأن ما يتوصّل (إلى الواجب) إلاّ به فهو واجب.
قوله تعالى: {قالوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً ... }
هذا على سبيل الغفلة والذهول من غير تأمل، (وإن) قالوه بعد تأمل فهو كفر، لأن نسبة الاستهزاء إلى النبيء كفر. وقوله تعالى: {الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} من مجاز المقابلة كَ {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ} لا أنه حقيقة، وقُرِىء «يَتَّخِذُنَا» بياء الغيبة، فإن كان فاعله عائدا على الله تعالى فهو أشد في الكفر والتعنت، وإن كان عائدا على موسى عليه السلام فهو أخف من (اقترانه) (بتاء) الخطاب لأنهم حينئذ (يكون) قالوا ذلك بعضهم لبعض في (حالة) غيبة موسى عنهم، ولم يباشروه بهذه المقالة.
قوله تعالى: {قَالَ أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين}.