للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: [(كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ) *].

عموم قوله (كُلَّمَا) ليس على حقيقته، وهو مخصوص بأول [قسم*] لهم فإِنهم لم يجعلوا أصابعهم في آذانهم حينئذٍ؛ [إذ*] لم يكن لهم علم بدعواه [الرسالة*] إليهم؟ قلت: بل هو على عمومه لوروده بعد قوله (إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا) أي دعوتهم دائما فلم يؤمنوا [ثم*] بعد ذلك دعوتهم فسدوا آذانهم وغطوا رؤوسهم؛ ولأنهم قد سمعوه أحيانا وأصغوا له وأجابوه، فقالوا (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)، وأيضا الأول مطلق يصدق بصورة، وهو [مطلق*] الدعوة في مطلق زمان فلا يفيد التكرار، فقال هنا (كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ) ليفيد التكرار، وأيضا يكون المراد [بالأول الآباء*]، والثاني آبائهم [وأبنائهم*].

قوله تعالى: (وَاسْتَكْبَرُوا).

استكبروا: تأكيد الاستكبار [بالمصدر*] دون الإصرار، إما مراعاة لرؤوس الآي، وإما لأن الاستكبار [مدرك*] بالبديهة، والإصرار من أفعال القلوب، والاستكبار أشنع، [فلذلك*] أكده، ووجه الترتيب في هذه المعطوفات في جعل الأصابع في الآذان قدر مشترك بين جميعهم فقدم، وربما لم يكن عند بعضهم ثياب، فلا يتوجه طلب الاشتغال بالثياب فكان تابعا لأنه أخص، وقوله (وَأَصَرُّوا) لما كان دالا على وصفهم بالجفاء والبلادة، وتشبيههم بالحمر الوحشية كان تابعا لما قبله؛ لأنه ترق في الذم، وقوله (وَاسْتَكْبَرُوا) لما كان تجافيا للجهل والبلادة، وإنَّمَا يجب في حق الجاهل البليد أن يذل [ ... ] كان هذا دالا أن جهلهم مركب؛ فكان تابعا لأنه أبلغ في الذم وفيه تهكم بهم.

قوله تعالى: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ... (١٢)}

[أخبر في الأموال بالمد، وفي الجنات بالجعل*]، وفي سورة الشعراء (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ) .. فإِن قلت: لم قدم الجنات على الأنهار مع أن الأنهار سبب في حصول الجنات؟ فالجواب من وجهين:

الأول: أن الجنات مقصد والأنهار وسيلة، والمقصد أحق بالتقديم.

<<  <  ج: ص:  >  >>