ابن عرفة: هذا تخصيص لَا نسخ، ويؤخذ من قول عبد الله ابن أم مكتوم الآية مع نزول الآية بسبب ما قال، وإقراره على ذلك أن الجمع المحلى بالألف واللام يفيد العموم.
قيل لابن عرفة: في هذا تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأن الاستثناء لقوله تعالى:(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) إنما نزل بعد الأول، فقال ابن عرفة: كان ذلك في مجلس واحد، وقال مالك رحمه الله في المحرم: إذا لبس المخيط، ثم لبس مخيطا آخر، ثم آخر في [وقت واحد*] إنما عليه فدية واحدة؛ بخلاف ما لو لبس الثاني بعد الأول بزمان في وقت آخر فإن عليه فديتين، وكذلك قال: إذ [دَبَّرَ عَبْدًا*] ثم عبدا ثم عبدا في مجلس واحد أنهم يحاصون في الثلث، ولو دبر الأول ثم دبر الثاني في موطن آخر لكان الأول مبتدأ على الثاني، وقال ابن عرفة: وقال الفخر في قوله تعالى: (لا يَسْتَوِي أَصحَابُ النارِ وَأَصْحَابُ الْجَنةِ) إما حجة على أن المسلم لَا يقتل بالكافر، قال: احتج بها الشافعي ورده الفخر بأن التسوية أعم، والأعم لا إشعار له بالأخص، وأجاب سراج الدين الآمدي بأن نفي الأعم أخص من نفي الأخص، ابن عرفة: وكذلك نقول هنا: إن نفي المساواة بينهما لَا يقتضي التفضيل بل يحتمل التساوي، قال وقوله:(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) واستثنى من الحكم أو من لازم الحكم ونظيره أن يقول: لَا يستوي الرجل الصالح والرجل الطالح، ويقول: قام القوم إلا زيدا، فهل معاه أنه لم يقم أو أنه مسكوت عنه لم يتعرض له بشيء فيحتمل القيام وعدمه فكذلك (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) إن كان مستثنى من القاعدين فهو يحتمل، وإن كان مستثنى من المعنى وهو الحكم بالمرجوحية والذم اقتضاء عدم ذمهم، وإنه لا مرجوحية فيهم، قال: وتقديم الأموال على الأنفس ترق؛ لأن حفظ النفوس آكد من حفظ الأموال والمجاهدة بها أشد من المجاهدة بالمال، ولأن المجاهدة بالنفوس عامة في الغني والفقير بخلاف الجهاد بالمال.