قال ابن عرفة: تقدم فيها سؤال وهو أنه قد رد المدح في حقهم بما اتصفوا به من فعل وقول، فقال: يأخذون عرض هذا الأدنى، ويقولون: سيغفر لنا، وأكد تقرير الذم بالفعل بتكراره، لقوله (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ). ثم لما انتقل لمقام الرد عليهم ذكر فيه تقبيح قولهم دون فعلهم وهو:(أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ)، قال: وأجيب بوجهين: الأول:
أن القول يستلزم الفعل وهو سبب فيه، فاكتفى بالسبب عن مسبه.
الثاني: قوله (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ). وتلك الجملة هي معمولة لقوله (وَدَرَسُوا مَا فِيهِ). أيضا أن الدار الآخرة خير ولم يعملوا بها بل عملوا بنقيضها، وهذا هو الفعل وهو أخذهم عرض الدنيا ونبذهم عرض الآخرة.
قوله تعالى:(وَدَرَسُوا مَا فِيهِ).
ولم يقل ودرسوه إشارة إلى أنهم حفظوه، ولو قال: ودرسوه لكانوا حفظوا لفظه ولم يتدبروا معناه.
ورد في الحديث الصحيِح أن الله تعالى لما خلق آدم أخرج ذريته من ظهره كالذر فاستعهدهم على أنفسهم (ألَسْتُ بِرَبَكُم قَالُوا بَلَى). فهذه الآية اقتضت الإخراج من بني آدم، والحديث اقتضى أن الإخراج من ظهر آدم لَا من ظهر ذريته، والجمع بينهما بأن المخرج من المخرج من الشيء مخرج من الشيء، فإذا خرجت سلعة من الصندوق فيها دنانير، قلت: أخرجت هذه الدنانير من الصندوق، والآية اقتضت إخراج ذرية بني آدم، وزاد الحديث بإخراج الوسط وهم بنو آدم من ظهره وإشهادهم على أنفسهم.