للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مجىء البينات فهلا عطفه بالواو؟

وأجيب بأن الفاء تقتضي السبب فقصد التنبيه على أنهم ضلوا بسبب هذه الآيات التي كانت سببا في هداية غيرهم. قال الله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} لا سيما مع مذهبنا أنّ ارْتِبَاط الدّليل بالمدلول عادي، وعبر ب «إن» دون إذا (تنفيرا) عن الزلل حتى كأنه غير واقع.

قوله تعالى: {فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

قيل لابن عرفة: هل يؤخذ منه إثبات هاتين الصفتين لله تعالى (بالسماع)؟

فقال: إنما المراد العلم بلازم ذلك وهو العقوبة والانتقام ممن زلّ.

قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله ... }.

قال أبو حيان: قيل بمعنى ينتظرون فيتعدى إلى واحد بنفسه ولو كانت من نظر العين لتعدت بإلى وأضيفت إلى الوجه مثل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ورده أبو حيان بجواز كونها منه وإلى محذوفة وحذف حرف الجر مع أنه كثير وهو قياس مطرد ولا يلزم إضافتها إلى الوجه بل قد يضاف إلى الذات قال الله تعالى: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ} {قَالَ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ} وقدر ابن عرفة هذا التعقب بأنه (إن) أراد أن المنظور إليه لايكون إلا (بالوجه) فباطل بقوله {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل} (وإن) أراد (أنّ) النظر (بالنسبة) لاعتبار الفاعل لا إلى الوجه فيقال: نظر وجهي إلى كذا، فباطل أيضا.

قال ابن عرفة: ويبطل أيضا من وجه آخر وهو المنظور إليه هنا هو الإتيان المفهوم من قوله {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله}. والإتيان معنى

من المعاني لأنه مصدر والمعاني لا ترى بوجه الا باعتبار الجواز العقلى لكونها موجدة والوجود مصحح للرؤية.

فإن قلتم: نرى إتيان الشخص؟ قلنا: إنما رأيت الشخص الآتي لا إتيانه.

فإن قلتم: إنه عرض؟ قلنا: العرض الذي هو اللون مرئي، وأما الرائحة والعلم والقدرة فليس بمرئي بوجه.

(والجواب) عن ذلك أن النظر هنا بمعنى الانتظار ومعناه أن (حالاتهم) تقتضي انتظارهم العقوبة (لا أنهم) يقصدون ذلك وفي هذا عقوبتان (حسية) ومعنوية لأن وجود السحاب مظنة الرّحمة بالمطر قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ} وقال الله جل ذكره {والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمئان مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>