كان بعضهم يقول: يحتمل رجوع الخيانة هنا إلى أمرين: خيانة فيما هو حق الله كقتل الحرابة فإنه حق لله لَا يجوز فيه العفو.
وخيانة فيما هو حق لآدمي كقتل القصاص فإنه يجوز فيه العفو، ويحتمل رجوعها إلى ثلاثة أمور: خيانة في حق الله الراجع للاعتقاد القطعي العقلي القلبي؛ كقول المعتزلة: إن العبد يستقل بفعله.
خيانة في حق الله الراجع للاعتقاد الظني كاعتقاد صحة المعاد.
وخيانة فيما هو حق الآدمي مستفاد من الشرع.
ابن عرفة: كقتل القصاص، والخيانة يتعدى إلى المخون بنفسه، وإلى المخون فيه بحرف الجر، كقوله: خان زيد عمرو في ماله، فإن قلت: فلم عدى الفعل أولا للمخون له وثانيا للمخون فيه؟؛ لأنه قال (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (٢٧) .. فعداه للمخون، ثم قال (وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) فعداه للمخون فيه بنفسه، فما السر في ذلك؟ قال: والجواب أن الأول لما كان حقا لله كان كالمستعظم فيه ذا الحق فذكر ذو الحق وهو المخون دون المخون فيه، ولما كان الثاني حقا للآدمي كان الاستعظام فيه أوقع في النفوس من استعظام صاحب الحق؛ لأن حرمة المال ومحبته أوقع في النفوس من محبة صاحبه، أو تقول في الأول لما كان المخون له أعظم مما فيه الخيانة وأشرف كان ذكره أبلغ في النفس بخلاف الثاني، أو يجاب بأنه على حذف مضاف؛ أي وتخونوا ذوي أماناتكم.
قال ابن عرفة: قدم المال على البنين وهو عرف القرآن في غير ما موضع، ولم يرد ما يخالفه في سورة آل عمران في قوله تعالى:(مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ) ابن عرفة: وكان بعض الشيوخ يحكي أنه رأى بعض أهل السواد يمشي بأولاد كثيرين بعضهم يحمله على عنقه، وبعضهم بين يديه، وبعضهم يمشي معه، ويقول: ارحموا من خالف كتاب الله عن ذلك، فقال: الله يقول (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ) فقدم المال على البنين، وخالفت أنا نصه فقدمت البنين على المال.
قال ابن عرفة: وأخذوا من هذه الآية تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر؛ لأن المال سبب في الفتنة.