قيل: إنهم صف واحد، وقيل: إنهم صفوف، وعبر بالواحد عن الجمع إشارة إلى كمال قدرة الله تعالى في تنزيل الجماعة عنده منزلة الواحد في العرض والرؤية، ونظيره قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) عبر هنالك بالواحد عن الجماعة تحريضا على المقاتلة، وحثا على التقدم في الصف الأول الموالي للعدو، وحتى كان الجميع صفاً واحداً.
إن قلت: الأصل أن يقال: بل زعمتم أن لن نجعل لكم؛ لأنه ماض فالأصل نفيه بـ لم، وأجيب بأنه مكانه حكاية حال ماضيه.
قوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ ... (٤٩)}
ابن عرفة: الكتاب إما واحد بالنوع؛ أي تضع لكل إنسان كتابه، أو واحد بالشخص ويكون واحدا للناس كلهم؛ وهو اللوح المحفوظ أو شبهه فيه جميع أعمال الخلق وغير موضع، ولم يقل: وأحضر الكتاب، وكذلك قال في سورة (تَنْزِيلٌ) تنبيها على أنه وضع للنظر فيه والاطلاع عليه؛ بخلاف ما لو قيل: وأحضر الكتاب؛ فإنه لَا يتعمد هذا المعنى.
هل هو تأكيد؛ لقوله تعالى:(وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ)، وقوله تعالى:(وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ)، أو هو كقوله تعالى:(يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) قيل: هو تأكيد؛ لأنه إذا أحصى الصغائر فأحرى أن يحصي الكبائر، وأجيب بأنه تأسيس إشارة إلى أن إحصاءه الصغيرة بجميع أجزائها كمن أحصى جزءاً من خمسة أجزاء؛ فإنه قد يقدر أن يحصي صغيرة من عشرة أجزاء، وقد لَا يقدر عليها، وإما أنه تأكيد والعطف للتسوية إن إحصاءه للصغيرة مساو لإحصائه للكبيرة، وإحاطته بعلمها واحدة تنبيها على كمال الإحاطة، وإما لأن العطف ليدل اللفظ على إحصائه الكبيرة دلالتين بالمطابقة وباللزوم.
قلت: وأجاب صاحب الفلك الدائر بأن الآية ليست لتفصيل أحوال الواحدة، فيكون إحصاء الصغيرة فيها يستلزم إحصاء الكبيرة؛ وإنما هي لإحاطة علم الله تعالى