الفاء للتعقيب، وهذا احتراس، فإن الأكل من الشيء القبيح لَا يستقبح منه ما قل، باعتبار العادة، إذ قد يكون في الدنيا للتداوى والاستكثار من ذلك غير معهود، فإِن قلت: لم قال: البطون، ولم يقل بطونكم؟ قلت: إشارة إلى أنهم لَا يأكلون في بطونهم المعهودة، بل في بطون أخر، لحديث "يعظم خلق الكافر في جهنم"، وجواب الفخر بحديث:"إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد"، يرد بأن الحالة في هذه الدنيا والآخرة، ويجاب أيضا: بجواب آخر، وهو إشارة إلى أنهم لَا يراعون أنها بطونهم، فيتحفظون عليها من كثرة الأكل؛ بل يرضونها ويحثونها، ولا يتحفظون عليها، [ولا يتركون فيها فراغا للنَّفَس*]، حتى [كأنها*] بطون غيرهم، وفي سورة الصافات نظير هذه الآية وتقدم الكلام فيها.
قوله تعالى: {فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (٥٧)}
يحتمل أن يراد التصديق الأصلي، أو المنطقي، فالأصلي من أقسام الخبر، لأنه هو الخبر المطابق، والمنطقي هو الحكم على الماهية بنفي أو إثبات، وهو ضد التصور، فإِن أريد تصديقهم بمقتضى هذا الخبر، وهو نحن خلقناكم فهو الأصلي كما تصدق زيدا في قوله: قام عمرو فإن أريد اعتقادهم أن لَا فاعل إلا الله فهو المنطقي، وهو أمر عقلي، والأول سمعي، ولولا للتخصيص، وذكر ابن بابشاذ وفي مقدمته أنها مع العاصي للتوبيخ، وجعلها ابن عطية: للتفريع والتقرير.
قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨)}
قيل: المراد به آدم عليه السلام، لأنه خلق من تراب، فالاستدلال به على جواز الإعادة أقوى بالاستدلال من خلقنا نحن من النطفة، رد بأن خلق غير آدم عن عدم صرف فهو أقوى في الاستدلال مما خلق عن وجود.